
حينما يغفل المربي عن دوره فتتغير تبعا لذلك المفاهيم فلا تستبعد أي نتيجة تحدث وهذا ما حصل في مدارسنا حينما أصبح الغش هو القاعدة وعدم الغش هو الاستثناء في منظومة طويلة من التبدل في القيم والمفاهيم والأخلاق التي يفترض في وزارة التربية والتعليم أن تعتني بالحفاظ عليها لكن الواقع مع الأسف أن دور وزارتنا الموقرة يقف حيال تحول النظرة إلى الكثير من القيم الأخلاقية -التي أخذت تنهار الواحدة بعد الأخرى- موقف المشاهد العاجز في كثير من الأحيان وفي أخرى موقف الراعي الرسمي لتلك التحولات !
ومن أهم تلك القيم التي أخذت تتهاوى أمام سمع الوزارة وبصرها قيمة الأمانة والصدق حينما تغفل الوزارة عن دورها في التربية ليخرج لنا جيل يهتم بالغش أكثر من اهتمامه بالأمانة ويسعى للاحتيال على الأنظمة بكل وسيلة ممكنة ليتشكل لنا بعد ذلك جيل لا يردعه نظام ولا يوقفه حرام ويقدم حاجته ورغبته على مصلحة المجتمع وعلى الحق والواجب في أنانية بتنا نشهد ألواناً منها مما تسبب في تقدمنا إلى الخلف حينما تقدم غيرنا إلى الأمام ! أليست هذه النتيجة التي وصلنا إليها حقيقة نعيشها كل يوم مع فئات ليست بقليلة في كل مكان نذهب إليه ؟
وإذا نظرنا إلى ذلك المواطن الذي يراجع الدوائر الحكومية ويحاول بكل ما أوتي من قوة أن يقفز على النظام ويحتال للحصول على ما يريد بدون حق ليقتطع حق غيره من أين بدأ ذلك السلوك المنحرف ؟
وذلك الموظف الذي يسعى للتلاعب في عمله فيتلاعب في المناقصات والمواصفات والمشتريات والمصروفات ووقت الدوام من أين بدأ تلاعبه ؟
وذلك التاجر الذي يغش في بيعه وشراءه من أين بدأ غشه ؟
وصاحب المصنع الذي يضخ في السوق منتجات غير مطابقة للمواصفات الصحيحة من أين تعلم ذلك ؟
وكارثة جدة وبعدها الرياض وقبلها الكثير من حالات الغش في التخطيط والتنفيذ والمعاملات من أين بدأت ؟
وغيرها حالات من الغش نعيشها بشكل يومي حتى ألفنا الكثير منها وإن أنكرنا شيئاً منها فقد اكتفينا بأقل درجات الإنكار حينما نحوقل ثم ننصرف إلى شؤون حياتنا دون أن نملك موقف تصحيحي لها بحيث يُقطع دابرها حتى تصبح كأمس المنصرم.
وسيستغرب البعض ما علاقة كل تلك الانحرافات السلوكية في المجتمع بوزارة التربية والتعليم فأقول إن المرض بدأ في مدارسها التي ترعاها ولا يعفيها من المسئولية أن تكون ظاهرة الغش بدأت في المجتمع وانتقلت إلى المدارس لأنها هي المؤسسة الرسمية المخولة بعملية التربية وهي مسئولة عن إصلاح ما قد يتسبب فيه الآخرون لكنها مع ذلك لازالت تغض الطرف وتنام في العسل في غفلة شديدة مقصودة ومخطط لها من قبل وزارتنا الموقرة ففي حين يفترض في وزارتنا أنها تهتم بالتربية وتسعى لبناء المواطن الصالح الذي من أهم صفاته الصدق والأمانة نجدها تصم أذنيها عن كل محاولة إصلاح صادقة وتترك مهمتها في التربية والتعليم لتبحث عن أدوار أخرى لا تصلح ولا تليق بمهامها الأصلية ولا تتناسب مع حاجات المجتمع .
ولا أقول هذا من باب الرجم بالغيب أو التدخل في النوايا بل هذا ما نصت عليه لوائح الوزارة نفسها فقد جاء | في لائحة تقويم الطالب نسخة محرم 1427هـ مايلي:
يعد الغش سلوكا غير أخلاقي، وإخلالاً بسلامة الاختبار وتضع الوزارة الضوابط والعقوبات المناسبة للتعامل مع حالات الغش.|
وحتى اليوم لم تضع الوزارة ضوابط ولا عقوبات !
وجاء في دليل نظم وتعليمات الاختبارات عام 1428-1429هـ:
| في تعليمات سير الاختبارات ضمن فقرة رقم 6
-أن لا يغش أو يحاول الغش أو التغشيش بأي وسيلة كانت .
وفي فقرة 8
8. يمنع منعاً باتاً دخول أجهزة الهاتف الجوال إلى قاعة الاختبار ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال استخدامه أثناء اختبار أي مادة ، ويعتبر ذلك غشاً.
ثم هنالك فقرة في التعامل مع أوراق الاختبارات تنظم التعامل مع أوراق الحضور والغياب والإحصاءات اليومية وتنص على إتلافها بعد مضي عام دراسي. |
هذا كل ماورد في اللائحة وفي دليل الاختبارات مجرد كلام عام دون اتخاذ إجراءات عملية للحد من هذه الظاهرة المرضية التي استشرت في مدارسنا.في تشابه مع موقف ذلك الذي غار غيرة شديدة من انحراف زوجته فكان قصارى علاجه للمشكلة أن يقول يوسف أعرض عن هذا ! فالوزارة تقر أن الغش سلوك غير أخلاقي لكنها لا تفعل شيئاً حياله.
وقد كان في اللوائح والتنظيمات السابقة بنود بعنوان أحكام الغش وفيها خطوات وإجراءات واضحة تطبق على محاولات الغش وقد كان في بعض اللوائح القديمة إلغاء اختبار الطالب في المادة التي غش فيها وإذا تكررت محاولته الغش-انظر محاولته فقط – فإنه يمنع من دخول باقي الاختبارات ، وقد كان في بعض اللوائح القديمة حرمان الطالب من الدراسة عامين متتاليين.
لكن تلك الإجراءات أخذت في التلاشي شيئا فشيئا خوفا على نفسيات أبنائنا الطلاب وأصبح مدير المدرسة مع اللوائح والتنظيمات الجديدة يكافح الغش من خلال تهويش و استخدام عبارات قديمة ضمن اللوائح السابقة وهو يعلم والطلاب جميعهم يعلمون أنها لن تطبق وأنها مجرد كلام في كلام ويتعاملون مع مديرهم وملاحظيهم كما يتعامل الأبناء مع والدهم إذا غضب كلمتين حلوة وأنا آسف ثم يعودون في الفترة الثانية لما عملوه في الفترة الأولى وهكذا دواليك حتى تخرج النتائج ويرى الجميع الطلاب الذين غشوا وقد حصلوا على درجات أعلى من الذين لم يغشوا بسبب الملاحظين أو بسبب وازع داخلي لديهم وهم الأقلون .
علما بأن الغش الذي يقوم به الطلاب أيام الاختبارات ويتفنون في اختراع وسائل كثيرة له فكلما ظهرت تقنية جديدة طوعها الطلاب لخدمة عملية الغش في شكل عجيب من التناقض السلوكي بين جدهم واجتهادهم في الباطل وكسلهم وضعفهم في الحق ، حتى شبه بعض التربويين استماتة الطلاب في الغش بالجهاد من أجل الدرجات في مظهر لافت للنظر حتى يصبح الطالب وخاصة في آخر الدقائق من وقت الاختبار في شكل واضح من سوء الأدب وإثارة الضوضاء وصدور الألفاظ السيئة ضد الملاحظين وتزيد شدة هذا السلوك زيادة طردية مع زيادة عمر الطالب فكلما كان أكبر سنا زادت شراسته وتعجب حينما تدخل على لجان طلاب الليلي والذي تجاوزت أعمار أكثرهم الثلاثين ومع ذلك تجدهم أشدّ ضراوة وأحدّ ألسنة مع الملاحظين ، ويزيد الأمر سوءاً مع طلاب المدارس الأهلية التجارية.
صحيح أنه ليس جميع الطلاب بهذه الصورة لكن أصحابها ليسوا قلة بل هم كثرة تشكل ظاهرة لا تخطئها عينك كلما أجلتها داخل قاعات الاختبارات.
وليس غريباً أن يخرج المعلم الملاحظ في المرحلة الثانوية الذي لا يسمح بالغش ليجد سيارته وقد كسر زجاجها أو أتلفت إطاراتها وبعضهم يتلقى رسائل تهديد على جواله وبعضها تكون شفوية صريحة لأنه لا يسمح بالغش .
وحينما تنظر في مقدار الدرجة الحقيقي في الاختبار الذي يقاتلون من أجله تجد أنه لا يتعدى سبع درجات ونصف على الفصل الدراسي الواحد إذ أن القبول في الجامعة يؤخذ له من معدل الثانوية بنسبة 30% وإذا قسمتها على الثاني ثانوي والثالث ثانوي ولكل منهما فصلين دراسيين سيتحصل الطالب على سبع درجات ونصف وإذا حسمت أعمال السنة فسيبقى قرابة خمس درجات فقط هي ما يحصل عليه الطالب من اختبارات فصل دراسي في النسبة اللازمة للتقديم للجامعة ! وإذا قسمتها على المواد فلن تصل إلى نصف درجة فقط لكل مادة.
ياالله هل يعقل أن تكون هذه الحرب الضروس التي يقوم بها الطلاب أثناء الاختبارات لمجرد نصف درجة على المادة فقط يستفيدها في التقديم للجامعة؟
إنني على ثقة أن غالب الطلاب إن لم يكن جميعهم لايعلمون هذا ، كما أنني على ثقة بأن الكثير من المسئولين لا يدركون هذا جيدا.
أفبعد هذا يجوز للوزارة أن تسكت عن ظاهرة الغش التي لا تفيد بشكل كبير الطلاب من حيث مجموع الدرجات وإن كانت تضرهم من حيث تشكيل شخصياتهم على الخداع والتحايل على الأنظمة وسوء الأدب والوقاحة مع معلميهم .
وإذا تخرج الطالب من التعليم العام وهو قد اكتسب هذه الصفات وأشدها ضررا عدم احترام المسئول عنه ومحاولة التحايل على الأنظمة فأي خير نرتجيه بعد ذلك من جيل هذه بعض صفاته.
أيها الأحبة لم أكتب هذا الكلام للدعوة إلى إحياء شبح الاختبارات وتخويف الطلاب وترهيبهم ولكني أكتبه لعل مسئولينا يلتفتون لدورهم التربوي للحد من الأضرار المستقبلية التي تنشأ عن هذه الظاهرة وهنالك الكثير من الوسائل التي يمكن من خلالها القضاء على ظاهرة الغش وليس أقلها الاستفادة من طريقة اختبار القدرات الذي يقوم عليه المركز الوطني للقياس والتقويم.
وإذا كنا في سنوات سابقة نخوف الطلاب بالله ونذكرهم بحرمة الغش فكان الكثير منهم يستجيبون رجاء الثواب من الله ، إلا أننا الآن نعيش في زمن أصبح فيه دعاة كثيرون يدعون للتخفيف على الناس وتتبع الرخص ويفتون الناس بالأسهل لأنه أسهل فقط ولو خالف الأدلة ، حتى غدا كثير من الناس يسوغون الكثير من الأخطاء التي يرتكبونها حينما يجدون من يشرعنها لهم .
قبل الختام:
هل كان المتنبي مدير مدرسة أو ملاحظ على طلابنا أيام الاختبارات ؟ اسمع لقوله:
والظلم من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ
وَمن البَليّةِ عَذْلُ مَن لا يَرْعَوي عَن جَهِلِهِ وَخِطابُ مَن لا يَفهَمُ
وَجُفُونُهُ مَا تَسْتَقِرّ كَأنّهَا مَطْرُوفَةٌ أوْ فُتّ فيها حِصرِمُ
كيف استطاع أن يصور ما يحدث في اللجان إن لم يكن قد عمل فيها؟ فقط استبدل كلمة الظلم بالغش لتجد تصويراً بليغاً لما يحدث داخل قاعات الاختبارات من قبل طلابنا.
اللهم أهدنا وطلابنا وجميع المسلمين لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
كتبه/ أبوبكر بن محمد
11/7/1431هـ Kmys99@yahoo.com
ومن أهم تلك القيم التي أخذت تتهاوى أمام سمع الوزارة وبصرها قيمة الأمانة والصدق حينما تغفل الوزارة عن دورها في التربية ليخرج لنا جيل يهتم بالغش أكثر من اهتمامه بالأمانة ويسعى للاحتيال على الأنظمة بكل وسيلة ممكنة ليتشكل لنا بعد ذلك جيل لا يردعه نظام ولا يوقفه حرام ويقدم حاجته ورغبته على مصلحة المجتمع وعلى الحق والواجب في أنانية بتنا نشهد ألواناً منها مما تسبب في تقدمنا إلى الخلف حينما تقدم غيرنا إلى الأمام ! أليست هذه النتيجة التي وصلنا إليها حقيقة نعيشها كل يوم مع فئات ليست بقليلة في كل مكان نذهب إليه ؟
وإذا نظرنا إلى ذلك المواطن الذي يراجع الدوائر الحكومية ويحاول بكل ما أوتي من قوة أن يقفز على النظام ويحتال للحصول على ما يريد بدون حق ليقتطع حق غيره من أين بدأ ذلك السلوك المنحرف ؟
وذلك الموظف الذي يسعى للتلاعب في عمله فيتلاعب في المناقصات والمواصفات والمشتريات والمصروفات ووقت الدوام من أين بدأ تلاعبه ؟
وذلك التاجر الذي يغش في بيعه وشراءه من أين بدأ غشه ؟
وصاحب المصنع الذي يضخ في السوق منتجات غير مطابقة للمواصفات الصحيحة من أين تعلم ذلك ؟
وكارثة جدة وبعدها الرياض وقبلها الكثير من حالات الغش في التخطيط والتنفيذ والمعاملات من أين بدأت ؟
وغيرها حالات من الغش نعيشها بشكل يومي حتى ألفنا الكثير منها وإن أنكرنا شيئاً منها فقد اكتفينا بأقل درجات الإنكار حينما نحوقل ثم ننصرف إلى شؤون حياتنا دون أن نملك موقف تصحيحي لها بحيث يُقطع دابرها حتى تصبح كأمس المنصرم.
وسيستغرب البعض ما علاقة كل تلك الانحرافات السلوكية في المجتمع بوزارة التربية والتعليم فأقول إن المرض بدأ في مدارسها التي ترعاها ولا يعفيها من المسئولية أن تكون ظاهرة الغش بدأت في المجتمع وانتقلت إلى المدارس لأنها هي المؤسسة الرسمية المخولة بعملية التربية وهي مسئولة عن إصلاح ما قد يتسبب فيه الآخرون لكنها مع ذلك لازالت تغض الطرف وتنام في العسل في غفلة شديدة مقصودة ومخطط لها من قبل وزارتنا الموقرة ففي حين يفترض في وزارتنا أنها تهتم بالتربية وتسعى لبناء المواطن الصالح الذي من أهم صفاته الصدق والأمانة نجدها تصم أذنيها عن كل محاولة إصلاح صادقة وتترك مهمتها في التربية والتعليم لتبحث عن أدوار أخرى لا تصلح ولا تليق بمهامها الأصلية ولا تتناسب مع حاجات المجتمع .
ولا أقول هذا من باب الرجم بالغيب أو التدخل في النوايا بل هذا ما نصت عليه لوائح الوزارة نفسها فقد جاء | في لائحة تقويم الطالب نسخة محرم 1427هـ مايلي:
يعد الغش سلوكا غير أخلاقي، وإخلالاً بسلامة الاختبار وتضع الوزارة الضوابط والعقوبات المناسبة للتعامل مع حالات الغش.|
وحتى اليوم لم تضع الوزارة ضوابط ولا عقوبات !
وجاء في دليل نظم وتعليمات الاختبارات عام 1428-1429هـ:
| في تعليمات سير الاختبارات ضمن فقرة رقم 6
-أن لا يغش أو يحاول الغش أو التغشيش بأي وسيلة كانت .
وفي فقرة 8
8. يمنع منعاً باتاً دخول أجهزة الهاتف الجوال إلى قاعة الاختبار ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال استخدامه أثناء اختبار أي مادة ، ويعتبر ذلك غشاً.
ثم هنالك فقرة في التعامل مع أوراق الاختبارات تنظم التعامل مع أوراق الحضور والغياب والإحصاءات اليومية وتنص على إتلافها بعد مضي عام دراسي. |
هذا كل ماورد في اللائحة وفي دليل الاختبارات مجرد كلام عام دون اتخاذ إجراءات عملية للحد من هذه الظاهرة المرضية التي استشرت في مدارسنا.في تشابه مع موقف ذلك الذي غار غيرة شديدة من انحراف زوجته فكان قصارى علاجه للمشكلة أن يقول يوسف أعرض عن هذا ! فالوزارة تقر أن الغش سلوك غير أخلاقي لكنها لا تفعل شيئاً حياله.
وقد كان في اللوائح والتنظيمات السابقة بنود بعنوان أحكام الغش وفيها خطوات وإجراءات واضحة تطبق على محاولات الغش وقد كان في بعض اللوائح القديمة إلغاء اختبار الطالب في المادة التي غش فيها وإذا تكررت محاولته الغش-انظر محاولته فقط – فإنه يمنع من دخول باقي الاختبارات ، وقد كان في بعض اللوائح القديمة حرمان الطالب من الدراسة عامين متتاليين.
لكن تلك الإجراءات أخذت في التلاشي شيئا فشيئا خوفا على نفسيات أبنائنا الطلاب وأصبح مدير المدرسة مع اللوائح والتنظيمات الجديدة يكافح الغش من خلال تهويش و استخدام عبارات قديمة ضمن اللوائح السابقة وهو يعلم والطلاب جميعهم يعلمون أنها لن تطبق وأنها مجرد كلام في كلام ويتعاملون مع مديرهم وملاحظيهم كما يتعامل الأبناء مع والدهم إذا غضب كلمتين حلوة وأنا آسف ثم يعودون في الفترة الثانية لما عملوه في الفترة الأولى وهكذا دواليك حتى تخرج النتائج ويرى الجميع الطلاب الذين غشوا وقد حصلوا على درجات أعلى من الذين لم يغشوا بسبب الملاحظين أو بسبب وازع داخلي لديهم وهم الأقلون .
علما بأن الغش الذي يقوم به الطلاب أيام الاختبارات ويتفنون في اختراع وسائل كثيرة له فكلما ظهرت تقنية جديدة طوعها الطلاب لخدمة عملية الغش في شكل عجيب من التناقض السلوكي بين جدهم واجتهادهم في الباطل وكسلهم وضعفهم في الحق ، حتى شبه بعض التربويين استماتة الطلاب في الغش بالجهاد من أجل الدرجات في مظهر لافت للنظر حتى يصبح الطالب وخاصة في آخر الدقائق من وقت الاختبار في شكل واضح من سوء الأدب وإثارة الضوضاء وصدور الألفاظ السيئة ضد الملاحظين وتزيد شدة هذا السلوك زيادة طردية مع زيادة عمر الطالب فكلما كان أكبر سنا زادت شراسته وتعجب حينما تدخل على لجان طلاب الليلي والذي تجاوزت أعمار أكثرهم الثلاثين ومع ذلك تجدهم أشدّ ضراوة وأحدّ ألسنة مع الملاحظين ، ويزيد الأمر سوءاً مع طلاب المدارس الأهلية التجارية.
صحيح أنه ليس جميع الطلاب بهذه الصورة لكن أصحابها ليسوا قلة بل هم كثرة تشكل ظاهرة لا تخطئها عينك كلما أجلتها داخل قاعات الاختبارات.
وليس غريباً أن يخرج المعلم الملاحظ في المرحلة الثانوية الذي لا يسمح بالغش ليجد سيارته وقد كسر زجاجها أو أتلفت إطاراتها وبعضهم يتلقى رسائل تهديد على جواله وبعضها تكون شفوية صريحة لأنه لا يسمح بالغش .
وحينما تنظر في مقدار الدرجة الحقيقي في الاختبار الذي يقاتلون من أجله تجد أنه لا يتعدى سبع درجات ونصف على الفصل الدراسي الواحد إذ أن القبول في الجامعة يؤخذ له من معدل الثانوية بنسبة 30% وإذا قسمتها على الثاني ثانوي والثالث ثانوي ولكل منهما فصلين دراسيين سيتحصل الطالب على سبع درجات ونصف وإذا حسمت أعمال السنة فسيبقى قرابة خمس درجات فقط هي ما يحصل عليه الطالب من اختبارات فصل دراسي في النسبة اللازمة للتقديم للجامعة ! وإذا قسمتها على المواد فلن تصل إلى نصف درجة فقط لكل مادة.
ياالله هل يعقل أن تكون هذه الحرب الضروس التي يقوم بها الطلاب أثناء الاختبارات لمجرد نصف درجة على المادة فقط يستفيدها في التقديم للجامعة؟
إنني على ثقة أن غالب الطلاب إن لم يكن جميعهم لايعلمون هذا ، كما أنني على ثقة بأن الكثير من المسئولين لا يدركون هذا جيدا.
أفبعد هذا يجوز للوزارة أن تسكت عن ظاهرة الغش التي لا تفيد بشكل كبير الطلاب من حيث مجموع الدرجات وإن كانت تضرهم من حيث تشكيل شخصياتهم على الخداع والتحايل على الأنظمة وسوء الأدب والوقاحة مع معلميهم .
وإذا تخرج الطالب من التعليم العام وهو قد اكتسب هذه الصفات وأشدها ضررا عدم احترام المسئول عنه ومحاولة التحايل على الأنظمة فأي خير نرتجيه بعد ذلك من جيل هذه بعض صفاته.
أيها الأحبة لم أكتب هذا الكلام للدعوة إلى إحياء شبح الاختبارات وتخويف الطلاب وترهيبهم ولكني أكتبه لعل مسئولينا يلتفتون لدورهم التربوي للحد من الأضرار المستقبلية التي تنشأ عن هذه الظاهرة وهنالك الكثير من الوسائل التي يمكن من خلالها القضاء على ظاهرة الغش وليس أقلها الاستفادة من طريقة اختبار القدرات الذي يقوم عليه المركز الوطني للقياس والتقويم.
وإذا كنا في سنوات سابقة نخوف الطلاب بالله ونذكرهم بحرمة الغش فكان الكثير منهم يستجيبون رجاء الثواب من الله ، إلا أننا الآن نعيش في زمن أصبح فيه دعاة كثيرون يدعون للتخفيف على الناس وتتبع الرخص ويفتون الناس بالأسهل لأنه أسهل فقط ولو خالف الأدلة ، حتى غدا كثير من الناس يسوغون الكثير من الأخطاء التي يرتكبونها حينما يجدون من يشرعنها لهم .
قبل الختام:
هل كان المتنبي مدير مدرسة أو ملاحظ على طلابنا أيام الاختبارات ؟ اسمع لقوله:
والظلم من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ
وَمن البَليّةِ عَذْلُ مَن لا يَرْعَوي عَن جَهِلِهِ وَخِطابُ مَن لا يَفهَمُ
وَجُفُونُهُ مَا تَسْتَقِرّ كَأنّهَا مَطْرُوفَةٌ أوْ فُتّ فيها حِصرِمُ
كيف استطاع أن يصور ما يحدث في اللجان إن لم يكن قد عمل فيها؟ فقط استبدل كلمة الظلم بالغش لتجد تصويراً بليغاً لما يحدث داخل قاعات الاختبارات من قبل طلابنا.
اللهم أهدنا وطلابنا وجميع المسلمين لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
كتبه/ أبوبكر بن محمد
11/7/1431هـ Kmys99@yahoo.com
0 التعليقات :
إرسال تعليق