هم فرقة جديدة تُنسب إلى دون كيشوت وهو رجل نحيف طويل قد ناهز الخمسين - بورجوازي متوسط الحال يعيش في إحدى قرى اسبانيا إبان القرن السادس عشر لم يتزوج ومن كثرة قراءاته في كتب الفروسية كاد يفقد عقله وينقطع ما بينه وبين الحياة الواقعية ثم يبلغ به الهوس حدا يجعله يفكر في أن يعيد دور الفرسان الجوالين وذلك بمحاكاتهم والسير على نهجهم حين يضربون في الأرض ويخرجون لكي ينشروا العدل وينصروا الضعفاء، ويدافعوا عن الأرامل واليتامى والمساكين.
فأعد عدته للخروج بأن استخرج من ركن خفي بمنزله سلاحا قديما متآكلا خلفه له آباؤه فأصلح من أمره ما استطاع، ولبس درعا و خوذة وحمل رمحا وسيفا وركب حصانا أعجف هزيلا.
وانطلق على هذه الهيئة شأن الفرسان السابقين الذين انقرضوا منذ أجيال.
ثم تذكر وهو سائر في طريقه فرحا مزهوا أن الفارس الجوال لا بد له من تابع مخلص أمين، فعمد إلى فلاح ساذج من أبناء بلدته وهو سانشوبانزا وفاوضه على أن يكون تابعا له وحاملا لشعاره، ووعده بأن يجعله حاكما على إحدى الجزر حين يفتح الله عليه، ويصدقه سانشو ويضع خرجه على حماره ويسير خلف سيده الجديد.
- معركة طواحين الهواء :
وأول المعارك التي سعى هذا الفارس الوهمي إلى خوضها كانت ضد طواحين الهواء إذ توهم -ولم يكن شاهد مثلها من قبل- أنها شياطين ذات أذرع هائلة واعتقد أنها مصدر الشر في الدنيا، فهاجمها غير مصغ إلى صراخ تابعه سانشو وتحذيره ورشق فيها رمحه فرفعته أذرعها في الفضاء ودارت به ورمته أرضا فرضت عظامه.
- معركة الأغنام :
ثم تجيء بعد ذلك معركة الأغنام الشهيرة فلا يكاد دون كيشوت يبصر غبار قطيع من الأغنام يملأ الجو حتى يخيل إليه أنه زحف جيش جرار فيندفع بجواده ليخوض المعركة التي أتاحها له القدر ليثبت فيها شجاعته ويخلد اسمه وتنجلي المعركة عن قتل عدد من الأغنام وعن سقوط دون كيشوت نفسه تحت وابل من أحجار الرعاة يفقد فيها بعض ضروسه.
- سانشو التابع المظلوم :
ولا يسلم سانشو المسكين خلال مغامرات سيده المزعوم من الأذى، فعلى الرغم من أنه يحب السلم ويؤثر السكينة على القتال فإن المشكلة تجيء من أن دون كيشوت -بوصفه فارسا لا يباح له إلا قتال الفرسان- فإذا جاء العدوان أو الاستفزاز من مدنيين، فقد وجب أن يتكفل بهم سانشو، والنتيجة الحتمية لذلك أن يتحمل سانشو اللكمات والصفعات والضرب بالعصى والرجم بالحصى !
هذه القصة الأسبانية التي تعد من روائع الأدب العالمي تحكي حالة صحافتنا التي أصابها مرض دون كيشوت وخيالاته التي يتعامل معها على أنها واقع ويخوض معارك وحروب طاحنة ليس لها أي أساس على أرض الواقع وهؤلاء المتنفذين في صحافتنا ممن يزعمون أنهم يحملون همّ تطوير المجتمع ويخوضون من أجل ذلك معارك طاحنة مع أوهامهم ويثيرون بها الغبار على الناس بينا نسي هؤلاء الدون كيشيتيون أن مجالات الإصلاح واسعة وعريضة ويمكن لهم أن يسلكوا منها آلاف الطرق التي يساندهم فيها الآخرون من جميع الأطياف دون افتعال خصومات وقتال طواحين الهواء والسعي لإحداث الفرقة في المجتمع وجعله طوائف متقاتلة.
على أن سلاح دون كيشوت القديم الذي استخرجه من إرث آبائه يذكرنا بشبهات الدون كيشيتيون حينما يعيدون ما كان يثيره المستشرقون ضد الإسلام والمسلمين.وشبه المستغربين من العرب قبل قرن من الزمان.
وإذا كانت طواحين الهواء النافعة للناس قد عدّها دون كيشوت شياطين وأشباح وذهب ليقاتلها فإنها مع ذلك بقيت بعده قرون طويلة نافعة للناس ولم تلهها المعارك الدون كيشيتيه عن أداء وظيفتها في الحياة التي ينتظرها الناس منها.
وستجد في أكثر هذه المعارك التي يخوضونها معارك خيالية مع طواحين الهواء التي لو سيطرت عليهم لجعلت مصداقيتهم ممزقة إربا.
وإذا كان سانشو-الكاتب الصغير عفوا أقصد التابع-الذي يتلقى الصفعات من رعاة الأغنام التي تسلط عليها دون كيشوت.فإننا نأسى لهذا التابع المسكين الذي يطارد حلم الفوز بحكم إحدى الجزر التي سيهبها له سيده، وأما دون كيشوت فقد رُفع عنه القلم ، لكنه مع كل ذلك لازال يعتقد نفسه أعقل الناس.
اللهم نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى وحُسن العقل وحُسن العمل.
كتبه/أبوبكر بن محمد
الرواية باختصار من إيجاز د. محمد عاطف عن موقع دار اليوم 29/6/1431هـ Kmys99@yahoo.com
فأعد عدته للخروج بأن استخرج من ركن خفي بمنزله سلاحا قديما متآكلا خلفه له آباؤه فأصلح من أمره ما استطاع، ولبس درعا و خوذة وحمل رمحا وسيفا وركب حصانا أعجف هزيلا.
وانطلق على هذه الهيئة شأن الفرسان السابقين الذين انقرضوا منذ أجيال.
ثم تذكر وهو سائر في طريقه فرحا مزهوا أن الفارس الجوال لا بد له من تابع مخلص أمين، فعمد إلى فلاح ساذج من أبناء بلدته وهو سانشوبانزا وفاوضه على أن يكون تابعا له وحاملا لشعاره، ووعده بأن يجعله حاكما على إحدى الجزر حين يفتح الله عليه، ويصدقه سانشو ويضع خرجه على حماره ويسير خلف سيده الجديد.
- معركة طواحين الهواء :
وأول المعارك التي سعى هذا الفارس الوهمي إلى خوضها كانت ضد طواحين الهواء إذ توهم -ولم يكن شاهد مثلها من قبل- أنها شياطين ذات أذرع هائلة واعتقد أنها مصدر الشر في الدنيا، فهاجمها غير مصغ إلى صراخ تابعه سانشو وتحذيره ورشق فيها رمحه فرفعته أذرعها في الفضاء ودارت به ورمته أرضا فرضت عظامه.
- معركة الأغنام :
ثم تجيء بعد ذلك معركة الأغنام الشهيرة فلا يكاد دون كيشوت يبصر غبار قطيع من الأغنام يملأ الجو حتى يخيل إليه أنه زحف جيش جرار فيندفع بجواده ليخوض المعركة التي أتاحها له القدر ليثبت فيها شجاعته ويخلد اسمه وتنجلي المعركة عن قتل عدد من الأغنام وعن سقوط دون كيشوت نفسه تحت وابل من أحجار الرعاة يفقد فيها بعض ضروسه.
- سانشو التابع المظلوم :
ولا يسلم سانشو المسكين خلال مغامرات سيده المزعوم من الأذى، فعلى الرغم من أنه يحب السلم ويؤثر السكينة على القتال فإن المشكلة تجيء من أن دون كيشوت -بوصفه فارسا لا يباح له إلا قتال الفرسان- فإذا جاء العدوان أو الاستفزاز من مدنيين، فقد وجب أن يتكفل بهم سانشو، والنتيجة الحتمية لذلك أن يتحمل سانشو اللكمات والصفعات والضرب بالعصى والرجم بالحصى !
هذه القصة الأسبانية التي تعد من روائع الأدب العالمي تحكي حالة صحافتنا التي أصابها مرض دون كيشوت وخيالاته التي يتعامل معها على أنها واقع ويخوض معارك وحروب طاحنة ليس لها أي أساس على أرض الواقع وهؤلاء المتنفذين في صحافتنا ممن يزعمون أنهم يحملون همّ تطوير المجتمع ويخوضون من أجل ذلك معارك طاحنة مع أوهامهم ويثيرون بها الغبار على الناس بينا نسي هؤلاء الدون كيشيتيون أن مجالات الإصلاح واسعة وعريضة ويمكن لهم أن يسلكوا منها آلاف الطرق التي يساندهم فيها الآخرون من جميع الأطياف دون افتعال خصومات وقتال طواحين الهواء والسعي لإحداث الفرقة في المجتمع وجعله طوائف متقاتلة.
على أن سلاح دون كيشوت القديم الذي استخرجه من إرث آبائه يذكرنا بشبهات الدون كيشيتيون حينما يعيدون ما كان يثيره المستشرقون ضد الإسلام والمسلمين.وشبه المستغربين من العرب قبل قرن من الزمان.
وإذا كانت طواحين الهواء النافعة للناس قد عدّها دون كيشوت شياطين وأشباح وذهب ليقاتلها فإنها مع ذلك بقيت بعده قرون طويلة نافعة للناس ولم تلهها المعارك الدون كيشيتيه عن أداء وظيفتها في الحياة التي ينتظرها الناس منها.
وستجد في أكثر هذه المعارك التي يخوضونها معارك خيالية مع طواحين الهواء التي لو سيطرت عليهم لجعلت مصداقيتهم ممزقة إربا.
وإذا كان سانشو-الكاتب الصغير عفوا أقصد التابع-الذي يتلقى الصفعات من رعاة الأغنام التي تسلط عليها دون كيشوت.فإننا نأسى لهذا التابع المسكين الذي يطارد حلم الفوز بحكم إحدى الجزر التي سيهبها له سيده، وأما دون كيشوت فقد رُفع عنه القلم ، لكنه مع كل ذلك لازال يعتقد نفسه أعقل الناس.
اللهم نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى وحُسن العقل وحُسن العمل.
كتبه/أبوبكر بن محمد
الرواية باختصار من إيجاز د. محمد عاطف عن موقع دار اليوم 29/6/1431هـ Kmys99@yahoo.com
0 التعليقات :
إرسال تعليق