بنك الخبرات التربوية

الثلاثاء، 4 يناير 2011


بسم الله الرحمن الرحيم

حينما أرى الحراك الثقافي الدائر في مجتمعنا ومحاولات الشدّ ذات الشمال في ردّ فعل ضد محاولات سابقة ذات اليمين وأقارن ذلك بما يحدث على مستوى الميدان التربوي يتملكني خوف على أبنائنا الطلاب الذين قضيت معهم في الميدان التربوي قرابة خمسة وعشرين عاماً،وهذا الخوف لم يكن وليد اليوم وكانت له أسباب قديمة عانيت كثيراً منها بسبب التنافر بين التيارات الفكرية التي تحاول أن تجعل من الميدان التربوي أداة للتنافس والصراع فيما بين أقطابها مما يؤثر على أبنائنا الطلاب، وهذا ما جعلني أحاول الوصول إلى قاعدة ثابتة تحافظ على ثروتنا المستقبلية التي تتمثل في طلابنا وشبابنا الذي نرصدهم ضمن مواردنا الرئيسية المستقبلية والذين نحاول أن نجنبهم الانزلاق إلى مهاو فكرية وأخلاقية نندم عليها في المستقبل وكل ذلك من أجل إشباع فئة تهوى الصراعات الفكرية علما بأن هذه  الفئة لا تتعدى أن تكون أقلية سواء من هذا التيار أو ذاك إن صح أن يطلق عليها تيارات أصلاً. ونتيجة لذلك كان هذا الحلم الجميل وهو بنك الخبرات التربوية أو مركز الخبرات التربوية .
وأظن أن من حقي أن أحلم حلما جميلا وأعلل نفسي بأماني وآمل أن يأتي اليوم الذي أراها فيه على أرض الواقع وقد حلمت مرات كثيرة بحلم تربوي كثيرا ما يتردد علي وهو إنشاء بنك الخبرات التربوية ليلم شتات الخبرات التربوية والمشاريع التربوية والتعليمية والخطط العملية الناجحة التي يمتلئ بها الميدان التربوي في مملكتنا الغالية وكذلك بلادنا العربية ، والتي لو قدر لها أن ترى النور ووكل أمر تنظيمها وتهذيبها وحسن عرضها إلى لجنة إشرافية متمكنة تدعمها مؤسسة إعلامية متميزة وتحصل على الدعم الرسمي المناسب والذي يدعو الآخرين لأن يحتفلوا بها لخرجنا بما لا يمكن أن يتصوره عقل في وقتنا الحاضر، إذ يزخر ميداننا التربوي ضمن مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية بجميع أنواعها وفئاتها بخبرات ضخمة وتجارب رائدة لكنها تفقد العنصر الإعلامي إذ لا ينالها الضوء فلا تخرج إلى الحياة الواسعة والميدان الفسيح بسبب انشغال كثير من مؤسساتنا بتجارب يعتني الإعلام بقائلها من حيث مكانته ومركزه الاجتماعي أكثر من عنايته بجدوى التجربة وفائدتها للميدان التربوي فتبقى الخبرات الحقيقية مهمشة حتى إشعار آخر.
ودعني أتفاءل لأحلم حلما أكبر حين أجزم أن هذه الخبرات التي سيحتويها بنك الخبرات التربوية والذي يقوم على رعايته وسقيه خبرات تربوية متمكنة سيصنع لنا نظرية تربوية تصلح لتطوير تعليمنا ونقله إلى مصاف الدول الأولى على مستوى العالم ؛ إذ لن نحتاج إلا إلى النية الصادقة واستيعاب حاجات المجتمع لننقل تعليمنا العام والمهني والعالي إلى أن يكون ذا جدوى كما كان ذا وجود في الفترات السابقة ، وحتى لا يبقى الكلام نظريا عائما ولأشرك القراء الكرام في حلمي الذي ربما جاء ذات يوم ليكون واقعا إذ ربما كان من القراء من لديه نفس الهم ويوفقه الله لتنفيذ هذا الحلم وعندها لا يهم من هو الذي حلم بقدر ما نهتم بالفوائد التي سيجنيها  مجتمعنا بشكل عام وأبنائنا بشكل خاص.
 ولندلف إلى بنك الخبرات التربوية( أو مخزن الخبرات التربوية لمن لا يحب اللفظة الأجنبية ) لنراه مرتبطا برئيس اللجنة العليا للتعليم بالمملكة ويشارك في عضويته جميع قادة القطاعات التعليمية كلجنة إشرافية ، ثم تعين له لجنة الخبراء التربويون الذين يستقبلون الخبرات والمشاريع التربوية التي ترشح له من كافة القطاعات التعليمية لتنتقى أفضلها وتصنف بحسب نوعها والفئة المستهدفة لترفع بعد ذلك توصية لجنة الخبراء لاعتماد البرامج التعليمية والتربوية من قبل الجهات العليا والتي تكون مدققة أصلا من لجان سابقة ومفلترة لتعتمد لها ميزانياتها وتقرر مواعيد تنفيذها .
على أن هذه البرامج والمشاريع التربوية لم تأتي من فراغ وإنما رفعت من بنوك الخبرات التربوية التابعة للوزارات والمؤسسات التعليمية التي هي بدورها أنشأت في قطاعاتها بنوك خبرات تربوية رئيسية يقوم عليه خبراء تابعون لوزارتهم التي يتبع لها البنك التربوي الرئيسي ولا مانع من الاستفادة من خبراء من خارج وزارتهم حسب الحاجة وبخاصة من القطاعات الأهلية التي تمثل سوق العمل الذي يفترض أن يكون له حضور فاعل في البرامج والخطط التي تؤهل تلك الوزارات والمؤسسات التعليمية لتغذية سوق العمل.
وإذا أخذنا كمثال وزارة التربية والتعليم التي ستقوم بإنشاء بنك الخبرات التربوية الرئيسي التابع لها وشكلت له لجنة متفرغة من الخبراء التربويين الذين يشرفون عليه ويتابعون أعماله فمن أين سيأتون بالخبرات والبرامج والخطط ؟
والجواب كما في الحلم(وأرجو ألا تؤاخذوني على ما أحلم به) أن وزارة التربية يتبع لها إدارات تربية وتعليم فيفترض أن تقوم كل إدارة تربية وتعليم بإنشاء بنك فرعي لخبراتها التربوية وبرامجها ومشاريعها التي تنفذها – والميدان مليء ولاشك- فإذا قامت كل إدارة تربية وتعليم بإنشاء بنكها الخاص بها ووضعت عليه لجنة من الخبراء التربويين ليرشحوا ويتابعوا البرامج المرشحة لبنك الخبرات التربوية الفرعي الخاص بالمنطقة ، أمكنهم بعد ذلك أن يرشحوا أفضل ما لديهم من خبرات وبرامج ومشاريع للجنة البنك المركزي كما أن اللجنة المشرفة على البنك المركزي ستتابع أعمال البنوك الفرعية وتنتقي أفضل المشاريع والبرامج وقد تدمج بعض البرامج التي يمكن دمجها ، كما أنه يمكن تطوير بعض البرامج المقدمة من بنك فرعي وفق رؤية بنك فرعي آخر وهكذا ...
كما أنه من الجدير بالذكر أن كل إدارة تربية وتعليم أو مؤسسة تعليمية سبق وأنشأت بنك الخبرات التربوي الفرعي الخاص بها وعينت لجنة إشراف من الخبراء المفرغين لهذه المهمة والذين يتابعون المشاريع المرشحة ميدانيا ولا يكتفى أبدا بالمشاريع المكتوبة أو المشاريع الخاصة التي لا تصلح كمشاريع وبرامج عامة .
إضافة إلى ذلك فإن كل إدارة ذات بنك خبرات فرعي وكذلك الرئيسي للوزارة والمركزي يتوجب على كل منها أن تنشئ لها موقعا مستقلا على الشبكة العنكبوتية لعرض الخبرات التربوية والبرامج والمشاريع التي حصلت على دعمها ، ويمكن أن ترفع على الموقع الفرعي والرئيسي حتى البرامج المحدودة والتي تصلح لفئات أو مدارس أو مؤسسات محددة -ولا يصلح تعميمها- والفائدة من ذلك أن يكون البنك مرجعا لكل باحث ولكل مستفيد وحتى لا تتكرر الجهود إذ ربما تجد مدرسة أو مؤسسة تعليمية بدأت في برنامج أو مشروع من الصفر على حين أن هنالك بعض المؤسسات الأخرى التي تطبقه منذ مدة طويلة ولكن لعدم التواصل وضعف الجوانب الإعلامية تقوم مدارس أو مؤسسات أخرى بتكرار الجهود فيما لو استفادت من الجهود السابقة لوفرت على نفسها كثيرا من الأخطاء وكلنا نعلم أنه خيرا لك أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون.
أما البنك المركزي التابع للجنة العليا للتعليم فلا يرفع على موقعه إلا ما يناسب المشاريع الكبرى والتي يمكن إقرارها على مستوى الدولة.
وعند تطبيق هذه الفكرة أرجو أن يكون لنا فيما بعد نظرية تربوية مفصلة بأيدي خبراتنا التربوية المحلية التي لا تفتقر إلا إلى التنظيم والدعم أما المشاريع والتجارب فهي أكثر من أن نستطيع حصرها ، وهذا يقودنا في حال تنفيذه إلى الإصلاح من الداخل الذي سيتواءم مع حاجات مجتمعنا ويتفق مع قيمنا وديننا وثقافتنا لنستغني به بإذن الله عن استيراد أنظمة ونظريات تربوية لا تتفق مع مجتمعنا مما يضطرنا إلى عمليات القص واللصق والحذف والاستعارة مما ولد لنا أنظمة ونظريات شوهاء تضر بنا أكثر مما تفيدنا مع ما صاحب ذلك من هدر مالي وزمني لا يمكن أن يعوض ، لكننا على حال نعلم أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
ومثل هذه الفكرة في حال تطبيقها ستمنع بمشيئة الله الميدان التربوي والمجتمع من الاختطاف الفكري الذي نخشاه سواء جهة اليمين أو جهة الشمال لنحافظ على الوسطية التي تميز بها الإسلام وحينما يشترك السواد الأعظم في صنع النظرية التربوية فإن هذا يشدها نحو مركز الوسط وينأى بها عن التطرف في جميع صوره .
أرجوكم أيها المتنفذون يا من حملتم أمانة هذا المجتمع أن تفكروا ملياً في هذا المقترح وتسعون في تأييده وتنفيذه رحمة بنا ورفقا بأجيالنا القادمة من فقدان الهوية الثقافية والانسلاخ من سماحة الإسلام وخروجا وانفصالا عن تاريخنا المجيد ، ولكم بعد ذلك مطلق الحرية في نسبة هذه الفكرة لمن تشاءون وإني أعلن تنازلي عن حقوقها الفكرية طالما لم تستدرج للاستفادة التجارية كما نلاحظ في كثير من الأحوال التي تبدأ الأفكار فيها بريئة ثم يجرها بعض الاستغلاليين ليستفيدوا من وراءها.
وإني أكرر أن جميع اللجان التي ترشح للإشراف على بنوك ومراكز الخبرات التربوية يجب أن تكون من داخل الميدان التربوي وأن يكون اختيارها بناءا على تاريخها وإنتاجها في العمل التربوي ، وأن لا تجر المسألة لتوجيه الميدان والمجتمع بعيدا عما يتفق عليه السواد الأعظم لخدمة فئات قليلة لا تشكل نسبة ذات أثر في مجتمعنا .
كما آمل أن تعنى هذه المراكز حين تعتمد ضمن ما تعنى بإعادة النظر في كل ما هو قائم ضمن الميدان التربوي بما في ذلك حاجات الطلاب وخصائص النمو، ونوعية المناهج وحجمها ومناسبتها للتعليم العام ، وتأهيل المعلمين وإعادة النظر في كل ما يتعلق بهم وبتدريبهم وأجورهم ، ما آمل أن يعاد النظر في طرق اختيار الخبرات والقيادات التربوية والعناية بالقضاء على البيروقراطية التي جعلت أنظمتنا جامدة لا تتحرك وجعلت مدارسنا الحالية ومؤسساتنا التربوية لا تختلف كثيرا عما كان قبل ثلاثة عقود.

كان هذا الحلم مصدره وباعثه الحرص على أن نحافظ على مجتمعنا وسطا كما أراده الله وإني لأعلم أنه لن يرضي من يقف أقصى اليمين كما أنه سيغضب من يقف أقصى الشمال وكلاهما يبقى أقلية ينبغي ألا تؤثر في مسارات حياتنا.
وإني لأرجو من الله العزيز الحكيم الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور أن يأخذ بنواصينا إلى الحق والهدى .
أبو بكر بن محمد
Kmys99@yahoo.com

0 التعليقات :

إرسال تعليق

 
بوح قلمي ،،، أبو بكر بن محمد | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .