ديناصورات ستيفان لاكروا... قراءة في كتابه زمن الصحوة

الجمعة، 30 مارس 2012





      ديناصورات ستيفان لاكروا
     قراءة في كتابه زمن الصحوة



من الشائعات الطريفة بيننا قديما أنه إذا كذب أحدهم عبروا عن كذبته بأنها أرنب (ولعل ذلك لسرعتها ) وإذا تعودوا من أحد الكذب قالوا في وصفه: فلان راعي أرانب وإذا كبرت الكذبة قالوا : يا كبر الأرنب.


طبعا كل ذلك وفق بيئتنا البدوية البسيطة حتى تعرفنا على الغربيين فتطور مصطلح الأرنب ليصبح ديناصورا وصار محترف الكذب راعي ديناصورات وخذ بعد ذلك ما شئت من كبر في الحجم وتعدد في سلالات الديناصورات.

فما هو الرابط بين الكذب وبين الديناصورات؟

طبعا هنالك ارتباط من جهتين :الأولى: كبر أحجامها وتعدد أشكالها فمنها الزاحفة ومنها الطائرة ومنها ذات الأذيال الضخمة..إلخ

الثانية:أن الديناصورات كذبة علمية كبرى لم تثبت علميا حتى الآن بثوابت قطعية وكل الدلائل المتوافرة عنها ملفقة لدعم تلك النظرية كما قال منتقدوها من العلماء الغربيين "وليست هذه الكذبة العلمية الوحيدة".

ومع ذلك فإن عالم الديناصورات يستفيد من تسويقه خلق كثير من الناحية التجارية والإعلامية ولا يهم بعد ذلك ثبوته من عدمه مادام أنه يدر أرباحا جيدة.

وهذا الثاني هو المشترك بين الديناصورات ستيفان لاكروا  صاحب كتاب زمن الصحوة ومن يسوقون له فكره.

وهؤلاء حينما يسوقون للاكروا ولفكره المتأثر بالفلسفة الغربية التي تفسر الحراك الاجتماعي والحوادث التاريخية تفسيرات مادية فتبحث عن هيكل عظمي ترصه رصا فتسلسل الحوادث التاريخية تبعا له ولا يضر إن كان منزوع الروح لا حياة فيه ولا شعور ولا معنى وإنما هو تسلسل مادي يقوم على المصلحة المادية والبحث عن المصالح المادية التي تفسر كل تحرك يقوم به الناس خلال مسيرة حياتهم دون عناية بالجانب الروحي والأخلاقي والديني تبعا للتفسير المادي للتاريخ.

وتخيل وفقا لذلك أن لاكروا تتبع تاريخ مجنون ليلى فما هي النتائج التي سيخرج بها سوى أن مجنون ليلى كان طالب حكم وباحث عن الزعامة في القبيلة وخارج في ثورة على النظام القبلي العربي الذي لم يرشحه لمنصب مهم في الجزيرة العربية!.فعبّر بعشقه وهيامه وحبه للزعامة بليلى.

وهذا المثال البعيد-حدّ التطرف-عن موضوعنا إنما ذكرته لبيان أصل مشكلة  ستيفان لاكروا وتبعا له المعجبين به جدا(ونلاحظ مثل ذلك في قول مترجم كتابه: من الصعب التعقيب على باحث متكمن مثل لاكروا) وأي تمكن عنده وهو لا يعرف معنى السلفية والقاسم المشترك بينها وبين الوهابية-بزعمه-وبين المذهب الحنبلي.

ولنقف قليلا مع ديناصورات لاكروا التي يسوق لها المعجبون بكتابه "زمن الصحوة" :

1-يقول:(عندما توفي الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، في 1 تشرين الأول/أكتوبر 1999، عن عمر يناهز الـ 85، نعاه بحزن بالغ تقريباً جميع المنتمين لتيار الإسلام السلفي؛ فقد كان يمثل للكثيرين ثالث أهم مرجع سلفي رئيسي معاصر، بعد عبد العزيز بن باز (الذي كان قد توفي قبل أشهر قليلة)، ومحمد بن عثيمين (الذي تـوفي كانون الثاني/يناير 2001)، وكلاهما من الشخصيات البارزة في المؤسسة الدينية السعودية.) شدّ يديك بهذه فستحتاجها بعد قليل.

2-يقول:( لقد دعا الوهابيون «نظرياً» إلى الاعتماد الحصري على القرآن والسنة، وإجماع السلف الصالح في استنباط الأحكام، ولكنهم «عملياً» اعتمدوا بالكامل تقريباً على تقليد المذهب الحنبلي في فتاواهم). حينما يدعون إلى ذلك فهم قد أسسوا للتطبيق وبعد ذلك تبقى مسئولية طالب العلم فيما يختار، ولهذا فإنك ستجد أن علماً مثل ابن باز له اختيارات كثيرة تخالف المذهب الحنبلي وكذلك تلميذه ابن عثيمين.

3-يقول:(ونتيجة لذلك المنهج الغريب بالنسبة إلى ما كان سائداً، تطور الأمر بالألباني إلى إصدار فتاوى تتعارض مع الإجماع المتفق عليه على نطاق إسلامي واسع، وبشكل أكثر تحديداً تعارض الفقه الوهابي/الحنبلي؛ فعلى سبيل المثال، ألف الألباني كتاباً (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير الى التسليم كأتك تراها) أعاد فيه تعريف بعض الممارسات والصيغ التي تشكل طقوس صلاة المسلم لكي تكون «وفقاً لممارسة النبي (ص)» بحسب الأحاديث التي درسها وكانت تلك الممارسات والصيغ تختلف مع جميع المذاهب الفقهية.) وكنت أتمنى أن يراجع صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام لابن باز ولابن عثيمين ويقارنها بما ذكره الألباني ولا مانع أن يجول في ما ألفه العلماء الأوائل في ذلك ليعرف مدى الاتفاق وحجم الاختلاف.

4- (وقد احتكر هذه الدعوة نخبة دينية صغيرة من نجد، تركزت في البداية حول محمد بن عبد الوهاب وذريته (المعروفة باسم آل الشيخ)، قبل أن تنفتح على عدد قليل من الأسر الأخرى

 فإن أفكار الألباني سرعان ما أصبحت وسيلة سهلت ظهور زعماء دينيين جدد في الحركة السلفية من خارج النخبة التقليدية لعلماء الوهابية، ولتتحدى بالتالي تلك النخبة النجدية التقليدية القائمة. ) ماذا سيقول لاكروا عن أولئك النفر الذين استقدمهم الملك عبدالعزيز وازدحمت بهم مؤسسات الحكم والتعليم والفتوى من خارج النخبة التقليدية القائمة.وخذ مثالا حافظ وهبة والشعراوي.وفيما بعد عبدالرزاق عفيفي وعبدالقادر شيبة الحمد والجزائري وغيرهم كثير ، كل أولئك النجوم ممن كانت الدولة والمؤسسة الدينية تحترمهم وتقدمهم ستعكر على استشهادات لاكروا.

5-يقول:(وفي منتصف الستينيات، أسس عدد من الأشخاص المتأثرين بدعوة الألباني في المدينة المنورة جماعة دينية متشددة باسم «الجماعة السلفية المحتسبة» وخرج منها فصيل راديكالي قاده جهيمان العتيبي لاقتحام المسجد الحرام في مكة المكرمة في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1979. العديد من أعضاء تلك الجماعة، وخصوصاً من علمائها، كانوا إما من أصول بدوية أو مقيمين غير سعوديين، وبالتالي كانوا مهمشين في «الحقل الديني السعودي» المحصور في نخبة نجدية كما أسلفنا. ويمكن القول إن نشاطهم – جزئيا على الأقل – كان رداً على ذلك التهميش.)هنا لاكروا يفترض وفق ماديته أن خروج أولئك كان بسبب التهميش في «الحقل الديني السعودي» فلماذا لم يتحرك بقية المهمشين من العلماء وطلبة العلم المنتشرين في كل أنحاء الجزيرة ، ولماذا كانت هذه الحركة الوحيدة للمهمشين، ثم هل يناسب المهمش أن يهجم على أقدس أرض في عقيدة المسلمين وهو يدعي نصرة الإسلام؟ 

6-يقول:( فإن العديد من الجاميين كانوا من أصول متواضعة نسبياً (المدخلي كان من جازان، على الحدود اليمنية، في حين كان الجامي من إثيوبيا). وهنا يقع مرة أخرى في خطأ ضخم بسبب جهله بالجزيرة العربية حين يعد المدخلي من أصول متواضعة ولو كلف نفسه بزيارة منطقة جازان لعرف من هم المداخلة.وأرجع للنقطة الأولى لترى اضطراب منهج البحث عند لاكروا فبينما السلفية كلها تحزن على ابن الساعاتي الألباني فهي هنا تحتقر الجامي الأثيوبي والمدخلي الجازاني!.

كما أن نظرته للجامي تختلف مع نظرة كبار رجال المؤسسة الدينية السعودية ولو راجع ثناء العلماء الكبار عليه وعرف مكانته في التعليم في المدينة النبوية  لتغير الهيكل العظمي لديناصوره كثيرا.

7-يقول:(كشف واستنكار محمد ناصر الدين الألباني لــ «تناقض الوهابية» وترويجه لمنهجه في نقد الحديث باعتباره ركيزة المعرفة الدينية نتج منه ثورة داخل السلفية، شكلت تحدياً لاحتكار النخبة الوهابية النجدية. ونتيجة لذلك، أعطت أفكار الألباني سلاحاً لأصحاب المشاريع السلفية المستقلة ساعدهم للمحاربة ودخول دوائر كانت مغلقة من قبل. وعلى الرغم من أنه لا أحد من تلامذة الألباني حقق مثل منزلته الرفيعة والمؤثرة، إلا أن بعضهم أصبحوا علماء معترف بهم. ومن المثير للاهتمام حقاً أن بلوغ الألباني لمكانة مرموقة كجزء فعلي من مؤسسة سبق أن رفضها واستنكر تناقضها، شجع بعض تلامذته من أنصار «منهج المتقدمين» للدعوة – اقتداء بدعوة الألباني المبكرة للتصفية – إلى منهج «أنقى» في نقد الحديث. وهذا يثبت أن القوة الثورية لأساليبه لا تزال متماسكة.) وهنا يفترض أن الألباني كان يخطط للحصول على هذه المرتبة ويخطط لمحاربة الوهابية في منهجها ولذلك يفني عمره في طلب الحديث حتى يدخل به على المسلمين ولترتفع منزلته عندهم.مع أن هذه قراءة عكسية من لاكروا إذ يبدو أنه يقرأ التاريخ بطريقة عكسية ليبدأ من المحطة الأخيرة وصولا إلى المحطات الأولى .ولو كان صاحب عدل وإنصاف لعرف أن الألباني أفنى نفسه في نصرة حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ورفع شأنه بين المسلمين فرفع الله شأنه حتى أصبح محدث العصر وقد قضى في ذلك عمره كله وهذا الأصل الذي عاش عليه الألباني ويعرفه له المنصفون وكل ما حدث بعد ذلك فإنما حدث على الهامش ؛ لكن لاكروا (المادي) جعل الأصل هامشا والهامش أصلا فلابد إذا أن تأتي كل الحوادث مقلوبة.

ومن أهم الأخطاء المنهجية التي وقع فيها لاكروا(المادي) هو أنه ظنّ أن الألباني وحده هو صاحب العناية بالحديث ولا يعلم أن دعوة الألباني يتبناها في كل عصر ومصر رجال ممن نذروا أنفسهم لتجديد الإسلام ومنهم ابن باز الذي يعد من كبار المحدثين في العصر الحاضر وطلابه يعرفون ذلك، وفتاواه كلها تنتصر للحديث الصحيح ولو كان خلاف المذهب وكذلك فعل ابن عثيمين وذكر أنه استفاد العناية بالحديث من شيخه ابن باز.لكن الألباني وفر نفسه على خدمة الحديث وكان كل إنتاجه في خدمة الحديث ولأنه شامة في تاريخنا فحق لكثير من الشباب أن يقتدوا به لاسيما مع المكانة العظمى التي وصل إليها عند الأمة ومنهجه التربوي الذي يهتم بالمحافظة على تحصين رأس المال قبل البحث عن الأرباح .

إن أكبر خلل في دراسات لاكروا وغيره من الغربيين والمتأثرين بهم هي التعامل مع جميع الحوادث والمجتمعات بطريقة واحدة دون التعرف على خصائص كل مجتمع أو ديانة وفق منهجية آلية ومادية تغيب معها كثير من الأسباب غير المادية والخصائص النفسية للشعوب وأثر ديانتها في سلوكها.

وليس ذلك عيبا ولا يشكل مشكلة لدينا إنما العيب والمشكلة الكبرى أن يأتي باحثون وكتاب مسلمون ليسوقوا لنا تلك الترهات التي يسمونها زوراً علمية ثم ما علينا إلا أن نقبلها بدعوى التقدم العلمي والتلاقح الثقافي دون بصيرة.
هل يعني هذا ألا نقرا وألا نستفيد مما يكتبه الآخرون عنا؟
إن كنت فهمت هذا فأرجوك أعد قراءة المقالة مرة أخرى وبتمعن أكثر..ولك تحياتي..

                                   كتبه خالد بن محمد الشهري

  1433/5/6هـ

                                      @abubaker_m
           

 
بوح قلمي ،،، أبو بكر بن محمد | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .