لغة الجسد الافتراضيَّة كيف نوظفها؟

الاثنين، 15 مايو 2017

لغة الجسد الافتراضية كيف نوظفها؟


لغة الجسد الافتراضيَّة كيف نوظفها؟


التَّواصلُ بين النَّاس هو إحدى أعظم نعم الله عز وجل عليهم، وكلما كانت لغتُهم أرقى، كان تواصلُهم أسهلَ وأيسرَ، وكلما كانت المعاني أدقَّ وأكثرَ توافقًا بين طرفي التواصل (المرسل والمستقبل)، كانت الرسالةُ بينهما أسرعَ وصولًا، وأقربَ لتحقيقِ الهدف منها.
وأهمُّ أنواعِ التواصلِ بين الناس هو ما يتمُّ من خلال اللقاءِ المباشر؛ ولهذا كان الناس قديمًا يهتمُّون بوسائل التأثير، ويتعلَّمون ما يتعلق بلغة الجسد فيها، وتختلف تفاصيلُ تلك اللغةِ باختلاف المجتمعات واللغات.

وحديثًا تعد دراسة مهربيان من أشهر الدراسات حول لغة الجسد، التي قسَّمَت التأثيرَ وفقَ النسبِ التالية:
٩٣٪‏ من مضمون التواصلِ المباشرِ وجهًا لوجه، يتم نقلها من خلال السلوكيَّات غير اللفظيَّة، فيكون ٥٥٪‏ منها من خلال تعبيرات الوجه ولغة الجسد، و٣٨٪‏ منها من خلال نبراتِ الصوتِ ونغماته، ويتبقَّى ٧٪‏ فقط هي ما تؤديه الكلمات نفسها التي ننطق بها.

وهذا ينطبق على التواصل المباشر، لكنَّ الواقعَ الآن أن هنالك تواصلًا افتراضيًّا نمارسُه عبرَ وسائل التواصل الاجتماعيِّ أصبح أكثر انتشارًا من التواصل المباشر، فمع ثورة المعلومات الإلكترونيَّة، وسهولة التواصل الإلكترونيِّ، ووفرة الأجهزة الإلكترونيَّة - أصبح هذا التواصل الافتراضيُّ أكثرَ حضورًا في حياتنا اليوميَّة؛ حتى إن بعض الأشخاص يتواصلون إلكترونيًّا أكثر من تواصلهم المباشر رغم كونهم بجوار بعضهم بعضًا في الغرفة أو المكتب، وأصبح التواصلُ في أحيانٍ كثيرة بين الآباء مع أبنائهم، والأزواج فيما بينهم - إلكترونيًّا بشكلٍ يوميٍّ!

وقد حدث ذلك بشكل متسارع خلال السنوات الماضية؛ حتى أصبح جزءًا ظاهرًا في كل المجتمعات، يستوي في ذلك الشرق والغرب، والغني والفقير.
وهذه التغيُّراتُ الاجتماعيَّة الناتجةُ عن الوسائل الإلكترونيَّة - أحدثت تغيُّراتٍ سلوكيَّةً في عمليَّة التواصل؛ مما نتجَ عنها تعطيلٌ للغة الجسد؛ كون التواصل يتم عبر أجهزة برسائل نصيَّة، نعم... قد يتم استخدام لغة الجسد في التواصل المرئيِّ "الفيديو"، لكنه بدرجة أقل كثيرًا من التواصل المباشر؛ وذلك نظرًا لبطء اتصالِ الفيديو، وعدم توافره في بعض الأحيان؛ مما أدى للاعتماد على التواصلِ النصِّيِّ "الشات"، وقد بدأت هذه العمليَّة أولًا في البريد الإلكتروني ورسائل sms، ثم تطوَّرت لتشملَ العديد من التطبيقات الحديثة، ومع كثرة استخدامها، والاعتماد عليها من قِبل الناس، لاحَظ العديد من المُبرمجين نقصَها عن توصيل الرسالة بالشكل المطلوب بين المرسِل والمستقبِل؛ إذ تصل بلغة خالية من إحساس المرسِل، ولا تُعَبِّرُ عن حالته الشعوريَّة أثناء عمليَّة التواصل، فبدأ حينها ابتكارُ وسائل لتوصيل المشاعر من خلال تلك الرسائل، ولعلَّ من أولى تلك الوسائل تعبيراتِ الوجوهِ عبر صور الإيموجي، كما في الصورة التالية، والتي تعطي انطباعًا لمستقبِل الرسالة عن مشاعرِ المرسِل ما بين (فرح، غضب، إرهاق، ارتياح، عبوس، حياء... إلخ).









ثم تلتْها مرحلةٌ أخرى تطوَّرَتْ فيها تلك الوجوهُ لتصبح أكثرَ تعبيرًا، مثل الصورة التالية:


ونلاحظ مثلًا في الصورة التالية مدى تطوُّر تلك الرموز لتستوعبَ ثقافاتٍ متعددةً، وتتعايش مع اختلاف الناس في ألوانهم وأجناسهم، وتوظيفها بما يعطي المرسِلَ إمكانيَّةً أكبر في توضيح رسالته.

وما زال سباق المصمِّمين والمبرمِجِين متسارعًا من أجل تضمين أكبر قدر من الرموز؛ لتكون أكثر تعبيرًا عن ثقافة معيَّنة أو مجتمع معين، كما في الصورة التالية:


ولا شك في أن المتابعَ يلاحظ تنافُسَ وسائل التواصل الاجتماعيِّ والبرامج الحديثة في هذا الموضوع؛ حتى أصبحت بعض الشركات الكبرى تحدِّث إصدارات برامجها من أجل إضافة بعض الرموز لبرامجها.

لقد أصبحت هذه الرموز بمثابة لغة جسد افتراضيَّة تؤدِّي ما كانت تؤديه لغةُ الجسد في التواصل المباشر وجهًا لوجه، ومن هنا زاد الاهتمام بها، وعلى سبيل المثال تجد من الشائع استخدام:
♦ رمز الورود: للتعبير عن الامتنان.
 رمز القُبلة: للتعبير عن المحبة.
 رمز القلوب: للتعبير عن عمق الحب.

وهنا نذكِّر ببعضِ الآداب التي ينبغي مراعاتها أثناء التواصل بلغة الجسد الافتراضيَّة أثناء استخدامنا لها؛ لنستثمرها بشكل أفضل:
1 - من عَلِمَ أن كلامَه من عملِه، قلَّ كلامُه:
هي عبارة جميلة لبعض السلف تعبِّر عن قيمة الكلمة وأثرها، فلا تحسب أن هذه الكلمةَ التي تطلقُها، أو الرمزَ الذي ترسلُه - يذهبُ هباءً، بل هو من عملك إنْ حسنًا فحسنٌ، وإن سيئًا فسيئٌ، وفي سورة الزلزلة بيانُ ذلك بوضوح.

2 - للوالدين لغة خاصة:
برُّ الوالدين فريضة، وآداب الحديث معهما أعلى درجةً من غيرهما؛ ولذلك تجنَّبِ استخدامَ الرموز التي تتجنَّبُ ما تعبِّرُ عنه في الحقيقة، مثل الوجه العبوس، ومثل الهروب... وغيرها، مما يترفَّع عنه الابنُ البار في سلوكه مع والديه، ولْتَكُن لغتُك الافتراضيَّة معهما وفقَ أَلْطَفِ إشارةٍ وأجملِ رمزٍ.

3 - لا تستعجلْ في الردِّ:
في أحيانٍ كثيرة تأتيك رسائل مزعجة، وقد تكون من أشخاص لا تحبهم، وربما كانت حالتُك المزاجيَّة غيرَ معتدلة، فترد عليها بِرَدٍّ، وتُرفِقُ معها رموزًا تندَمُ عليها فيما بعد.
وقد تكتشفُ فيما بعد أنك لم تقرأ رسائلَهم بشكلٍ صحيحٍ، أو لم تفهمها بالشكل الذي أرادوه؛ ولهذا تندمُ على تعجُّلكَ في الردِّ، وقد يكون ردُّكَ ذلك سببًا في خسارتك للآخرين!
ولذا؛ فحاول دائمًا أن تؤجل ردَّكَ إذا لم تكُنْ واثقًا فيه حتى وقت آخر.

4 - الاعتذار من شيم الكرام:
إذا حدَث أن أخطأتَ في حقِّ أحدِهم، فبادرْ بالاعتذار، ولا تتأخر، وبيِّن له وجهة نظرك، وسبب سوء فهمك.
وإذا أخطأتَ علانية "في قروب" فاعتذر علانية، ولا تكن ممن يخطئ علانية ويتوب سرًّا!

5 - لا تسرف في مشاعرك:
بعض الناس يسرفُ في مشاعر الرضا، وقد يكيل المديح للآخرين، بسبب وبدون سبب، وهذا سلوكٌ غيرُ مقبول، ويستهجنُه الطرفُ الآخر، وقد يكون العكس أيضًا، فكنْ حريصًا دائمًا على التوسُّط والاقتصاد.

6 - أَتْقِنِ التواصلَ المكتوبَ:
ذكرتُ في مقالة سابقة عن التواصل الفعَّال كيفَ تتقنُ التواصل المكتوب، ومن أهم ذلك:
الوضوح - الإيجاز - تكامل المعلومات - تماسك المعلومات - الصدق - الكياسة.

7 - لست مجبرًا على الرد:
ليس بالضرورة أن تردَّ على كلِّ رسالة، ولا كلُّ خطأٍ تراه يراه غيرُك مثلَكَ، نعم هنالك أمورٌ وأخطاءٌ لا يجوزُ ولا يصحُّ السكوتُ عنها، لكنَّها أقلُّ القليل، وأما الكثرة الكاثرة، فهي مجرد آراء واجتهادات شخصيَّة، وأكثر منها مجرد رسائل قص ولصق، وصاحبها لم يقرأها أصلًا.

8 - تجنب الاستنزاف:
مشاركتُكَ في العديد من وسائل التواصل الاجتماعي، ومتابعتُك للكثيرين وجدالك معهم، والأخذ والردُّ - يستنزف طاقتَك، وينقلك من العناية بدائرة التأثير إلى دائرة الاهتمام، التي لا تملك أيَّ قدرة على تعديل أيٍّ من أحداثها؛ ولذلك إذا أردت أن تحافظَ على توازنِك العقلِيِّ وصحتك النفسيَّة، فقلِّلْ من متابعاتِكَ، واحذفِ الكثيرَ من تلك القروبات التي تتابعُها، وتذكَّر أن طاقتَك اليوميَّة محدودة؛ فإذا استنزفتها فيما لا ينفعك، أضَعْتَ ما ينفعك، وقد قيل: ما رأيتُ إسرافًا إلا بجواره حقٌّ مضيَّع!

9 - كونوا مع الصادقين:
هذا لا بد من أن يكون شعارَنا في الحياة وفي وسائل التواصل الاجتماعي؛ قال ربُّنا تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، وكيف يكون مع الصادقين من تطغى عليه المجاملاتُ أو شنُّ الغارات وتغليطُ الآخرين بحثًا عن انتصارات وهميَّة؟

10 - لا تكن بُوقًا للآخرين:
بعضُ الناس حين تتابعُه تجده لا يعدو أن يكون بُوقًا للآخرين، وهذه مشكلة كبيرة وخللٌ في نمو الشخصيَّة حين يكون الإنسان مجرد ظلٍّ تابع للآخرين، وهذا النمطُ تراه كثيرًا في أتباع المشاهير، ويحتاج مثل هذا إلى الوقوف، وإلى جلسة مكاشفة مع نفسه؛ ليحدد أهدافَه الخاصَّة، ثم يبني خطة حياته وفق احتياجاتِه، لا وفق رغبات الآخرين.

11 - لا تقاتلْ في معركة لا تخصُّكَ:
حينما تجدُ شخصًا تحبُّه في جدالٍ مع آخر، فأمامك أحدُ أمرين: أفضلهما أن تكون ساعيًا بالإصلاح بينهما، والثاني: أن تنسحبَ بصمتٍ وتُعْرِضَ عن خلافهما تمامًا، أما أن تُجنِّد نفسكَ للوقوف في صفِّ أحدِهما وتنصُره بالباطل، فهذه من خِدْمَاتِك المجانيَّةِ للشيطان!

وقد يصطلحان ويتصافيان، ثم تكونُ كما قيل:
كم صاحبٍ عاديتَه في صاحبٍ ♦♦♦ فتَصَالَحَا وبقيتَ في الأعداءِ

12 - أعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه:
استخدامُك لوسائل التواصل يجب أن يكون منظمًا ومحددًا، فتذكر أن وقت النوم للنوم، ووقت الأكل للأكل، ووقت الجلوس مع الآخرين لهم، ووقت العبادة لها، أعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه ووقْتَه، ولا تنشغل بالتواصل الافتراضيِّ وتغفل عن تواصلك الحقيقيِّ لدنياك وأخراك.

13 - فَرِّقْ بين الوسيلةِ والغاية:
تذكَّر أن وسائل التواصل الاجتماعيِّ مجرد وسائل لتحقيق غاية، فلا تقلبِ المسألة وتحوِّلها إلى غاية!

14 - تَرْبَحُ ونَرْبَحُ:
العلاقاتُ بين الناسِ قائمةٌ على الربح والخسارة، والشَّحيح من لا يريد أن يَرْبَحَ أحدٌ غيره، والسخيُّ من يريد أن يربح الآخرون معه، فكن سخيًّا دومًا... لكن لا تكن مغفَّلًا ولا مستسلمًا.

15 - من لزم شيئًا عُرِفَ به:
هذه حقيقة، وحينما تكون دائمًا معترضًا وساخطًا وناقمًا، فلا تتوقَّع أن يراك الناس بغير هذه الصورةِ التي تلزمها دائمًا أثناء تواصلك معهم، وقد يسلكُ بعضُ الشباب سلوكًا متعجلًا أثناءَ استخدامِهم وسائلَ التواصل الاجتماعي، فتُحسب عليهم بعد سنواتٍ طِوالٍ، خاصة مع تطوُّر تقنية الأرشفة والبحث، حيث أصبحت الشبكة العنكبوتيَّة حافلةً بتاريخ الأشخاصِ القديمِ؛ مما قد يحسب عليهم سلبًا بعض أخطائهم القديمة في التواصل مع الآخرين.

تذكَّر دائمًا أن التواصلَ مهارةٌ ينمِّيها الإنسانُ مع مرور الأيام، وبكثرة التجارب التي يمرُّ فيها، فليس من المعقولِ أن تبقى جامدًا على أسلوبِكَ القديم في التواصلِ، ولكن تَمَرَّنْ دومًا على تعديلِه؛ للرُّقِيِّ بلغتِكَ، والتهذيبِ لسلوكِكَ، والله الموفق.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/social/0/115645/#ixzz4hB38XDZ9

0 التعليقات :

إرسال تعليق

 
بوح قلمي ،،، أبو بكر بن محمد | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .