سنة كاملة مرت على ظهور نجم الشيخ أحمد قاسم الغامدي حينما بدأ نجمه يسطع في سماء الإعلام على إثر فتواه في كشف وجه المرأة والاختلاط وجواز تفلية المرأة لرأس الرجل و توابع تلك الفتوى ولوازمها.ثم أتبعها بعد نصف سنة تقريـبا بفتواه في إسقاط وجوب صلاة الجماعة ومايتبع ذلك مما يلغي جزءا كبيرا من عمل هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله أعلم بماذا يفتي بعد ؟
و لست الآن معنيا بالنقاش الفقهي والأخذ والرد مع الشيخ أحمد قاسم فلذلك مجاله ورجاله ، وإن كنت لا أزال أفسح في صدري حيزا متسعا للشيخ أحمد قاسم على اعتبار أنه متأول حيث يظن في نفسه خيرا – وإن كان ذلك لا يعفيه مما وقع فيه- حين يصنف نفسه على أنه من طلبة العلم ؛ وإني لأرجو له أن يراجع نفسه وأن لا يجعل من إحسانه الظن بنفسه قائدا له وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في افتتاح خطبته (اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا)فما جمع بينهما إلا لحكمة.
وكم من الأولين من غرته نفسه وجرب طاعتها ثم لم يحمدها وتمنى لو أنه سلم منها ولات ساعة مندم. قال الحسن رضي الله عنه: أقذعوا هذه النفوس فإنها طلعة.
قال أبو ذؤيب:
والنفس راغبة إذا رغّبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع
وقد قيل :
يا مال، والسيد المعمم قد ... يبطره بعض رأيه السرف
وعودا على بدء للبحث عن جواب للسؤال وهو لماذا أحمد قاسم وليس غيره؟
ولماذا يفرح المتحررون ودعاة تحرير المرأة بالشيخ أحمد قاسم ويصدرونه على أنه مفت وأنه عالم منصف باحث عن الحق وكأن علمائنا أطبقوا على السكوت والرضا بالباطل الذي فرضته عليهم التقاليد والأعراف؟!
والسبب كما يظهر لي أن هذا التلميع للشيخ أحمد قاسم وإبرازه والاحتفاء به في القنوات والصحف والمنتديات التي تدعو إلى التحرر كما حدث أخيرا في منتدى مركز مها فتيحي-ولا أقول خديجة بنت خويلد- إنما تعود هذه الحفاوة بالشيخ أحمد قاسم للأسباب التالية:
1- كونه رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أعظم البلاد قداسة وفي ذلك فائدتين للتحرريين أولاهما تجيير هذا المنصب الحكومي بجميع سلطاته والذي يعدّ أعدى أعداء توجهاتهم المستقبلية ، هذا على المدى القريب؛ أما ثانيا فعلى المدى البعيد إسقاط هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ ما فائدتها وهي إنما تُعنى في أكبر مسؤولياتها بمقاومة و نقض ما يقوم عليه مثل هذا النوع من الاختلاط والسفور الذي يدعمه مثل هذا المركز.
2- كونه شيخ كما تدل عليه هيئته ولحيته التي تملأ وجهه حيث تعارف الناس في المجتمع على أن الشخص كلما كبرت لحيته كان أكثر علما وتقوى ، ومع كون هذا غير صحيح ولا منطقي إلا أنه موجود ومنتشر فانظر كيف يصنع الناس حينما لا يوجد إمام راتب للصلاة إذ يتلفتون ثم يقدمون في الغالب أطولهم لحية ، وكذلك إذا كانوا في مجلس لا يعرفون بعضهم طلبوا من أطولهم لحية أن يفتيهم في المسائل التي يختلفون فيها ؛ واللحية -وهي سنة واجبة بلا مراء- مع البشت ذي الزري العريض أصبحت نوعا من المظهر المتعارف عليه بين المشايخ –وليس في ذلك عيب ولا نقص- وكلاهما متوفرتان في الشيخ أحمد قاسم. وهذا يعطي انطباعا وبخاصة لدى صغار السن و قليلي العلم على أن هذا الشيخ كما يدل مظهره لا يمكن أن يكون داعية شرّ!. وبخاصة أن علمائنا ودعاتنا معروفون على مستوى العالم الإسلامي بحرصهم على السنة ومقاومة البدعة.وقد شابه شكله شكلهم وزيه زيهم وفي هذا ما فيه على من يأخذ الأمور على ظواهرها.
3- أضف إلى ذلك أنه دكتور حاصل على شهادة العالمية ولا يهم بعد ذلك أين مصدرها المهم أنها تكمل ملامح الصورة والمنصب (البرستيج) وتعطي انطباعا عن صاحبها بأنه مليء ، مع أننا نعلم أن الشهادة ليست دليلا قاطعا على العلم وخاصة في الوقت الحاضر.
4- كما أن من أهم العوامل التي رشحت الشيخ أحمد قاسم لمنصب الفتيا المتميز لدى المتحررين أنه عربي الأصل والمحتد وقبلي وليس من أي قبيلة إذ توجد قبائل معروفة بكثرة الدخلاء فيها أما الشيخ أحمد قاسم فمن أصرح القبائل نسبا وهي قبيلة ضاربة بجذورها في تاريخ العرب ويعرفها القاصي والداني ولها صولات وجولات في ملاحم التاريخ الجاهلي والإسلامي وتاريخ الفتوحات وهلم جرا إلى عصرنا هذا؛ وهذا النسب الذي يفتقده كثير من المفتين الآخرين – التحرريين- يجعل المناداة بتحرير المرأة ليس حكرا كما كان في السابق على غير القبليين الذين لم يكن يأبه لدعواهم أحد من غيرهم - وأنا هنا لا أغمط أحدا إذ نحن جميعا نؤمن بأن من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه وإنما هذا مجرد تحليل لواقع نراه ولا نستطيع أن ننكره- وهنا تنتقل المناداة بتحرير المرأة التي لم يكن يحفل بها سوى بعض الحضر الذين لا ينتمون لأصول قبلية وهم قلة في جزيرة العرب لمحاولة جذب العنصر القبلي لدخول الساحة وعدم التأخر أكثر وهذه الفرصة مهيأة بوجود مفت قبلي من قبيلة عريقة .
هذه الأسباب الأربعة مجتمعة جعلت هؤلاء التحرريين يحفلون بالشيخ أحمد قاسم ويصدرونه ويسعون لبروزه في الإعلام والمنتديات وإضفاء هالة عليه .
وأخرى خامسة حسنة جميلة-لديهم بالطبع- أنه متحمس لقضيتهم ويشكل خصما عنيدا في المناظرات والجدال كما أنه يحاول تصنع الحيادية العلمية وحشد الشواهد من القرآن والسنة وكلام العلماء ولا يهمهم إن كان ما يقوله صحيحا أو غير ذلك المهم أن يتكلم ويكثر من الجدال بالدليل ! حسب ما يظنه هو ومن يحسن الظن به ، ولو كان ما يقوله بعيدا كل البعد عن مبادئ العلوم الإسلامية الأولية التي يتلقاها طلاب العلم الصغار في أول تلقيهم للعلم على أيدي العلماء.
ويبدو لي أن المسألة كلها مجرد زوبعة في فنجان إذ مازال في بني قومي حماسة شديدة للدين ولا يمكن أن ينجر المجتمع كله إلى ما يصبو هؤلاء إليه،وقد جرب المجتمع في فترات ماضية موضات التغريب والتشريق ثم عاد كأشد ما يكون شوقا لدينه ومادام هنالك من يمانع ويدافع ويدعو ويرشد فإن الأمر قريب بإذن الله، وآمل أن تبقى ضجة التحرريين ضمن حدود فنجانهم وألا تتجاوزه كثيرا ، اللهم أهدنا وجميع المسلمين لما تحبه وترضاه.
ذكرى / أشقى الناس من باع آخرته بدنياه، وأشقى منه من باع آخرته بدنيا غيره.
أبو بكر بن محمد
28/12/1431هـ
Kmys99@yahoo.com
0 التعليقات :
إرسال تعليق