الرجل الصحيح في المكان الخطأ

الأحد، 12 ديسمبر 2010


بسم الله الرحمن الرحيم

تأملت كثيرا في مشكلة نعاني منها نحن العرب بشكل واضح منذ أمد بعيد تسببت في التأخر الذي تعاني منه مجتمعاتنا وهذه المشكلة جزء من مشكلة كبرى هي الفوضوية في إدارة الموارد البشرية التي أصبحت تشكل جزءاً كبيرا من ملامح الشخصية العربية بشكل عام والسعودية بشكل خاص إمّا بسبب المحسوبية أو بسبب سوء الإدارة.
هذه المشكلة يعبر عنها العنوان الذي أرى أنه لايحتاج إلى شرح إذ يوضح المقصود بشكل دقيق،ولعل الأمثلة الصارخة التي نجدها ونقابلها بشكل يكاد يكون يوميا تجعلنا نأسى على الحال الذي وصلنا إليه ،فنحن لانعاني من نقص في المواهب ولاقصور في التفكير ولافقر في الإمكانات إذ نعدّ من أغنى المجتمعات في ذلك وإنما أمّ المشاكل لدينا هي مشكلة توظيف هذه المواهب والقدرات التي يزخر بها مجتمعنا ، فيصبح الأمر كما قلت لأحد المسئولين في إحدى مؤسسات التعليم الكبيرة إنهم يعانون مثل معاناة برنارد شو الذي كان كثيف اللحية وأصلع الرأس فلما سأله بعضهم أجابه:وفرة في الإنتاج وسوء في التوزيع.
 ولو أخذنا مثالا بسيطا لندلل على ذلك فلننظر إلى معارض الابتكار والاختراع السعودية المذهلة والتي تعرض فيها ابتكارات واختراعات شديدة الأهمية ومما لفت نظري في أحد هذه المعارض وجود أسرة سعودية كاملة لديها اختراعات مسجلة ببراءات من الأب إلى الأبناء وحتى الأم-التي كانت مخترعاتها تصب في خدمة المرأة في المطبخ-أضف إلى ذلك براءات الاختراع العالمية المسجلة بأسماء سعوديين .
وهذه الاختراعات والمشاركات العالمية التي نتشرف بها نحن المواطنين لا تتعدى لدى الجهات -ذات المسئولية- على أن تكون للاستهلاك الإعلامي دون ناتج فعلي يعود على المخترع أو المواطن بأدنى فائدة.
بينما تصرف أموال طائلة من الرعاة الرسميين للأندية الرياضية وتشكل لها لجان لدعمها ويتبرع الرعاة الرسميون بمبالغ خيالية للمسابقات الإعلامية والرياضية مع أن هؤلاء الرعاة في الأصل شركات مساهمة-فهل وافق المساهمون على ذلك-ونحن لانحرم هذا الدعم ولا نقلل من شأنه ولكننا نأمل أن تقوم هذه الشركات بخدمة حقيقية لمنتج حقيقي ومفيد ولا تقتصر على نشاطات هامشية تنتهي بنهاية المباراة دون آثار فعلية تعود على المجتمع بأدنى أثر ايجابي.
احتجت قبل سنوات التداوي بأبوال الإبل لقريب لي مريض-توفي يرحمه الله- وكان البحث عن ذلك شاقا إذ لابد من مواصفات خاصة-شاقة على سكان المدن- يعرفها المهتمون وقرأت في ذلك كتاب الدكتورة أحلام العوضي الباحثة السعودية التي حصلت على براءة اختراع للتداوي بأبوال الإبل وحضّرت مستحضرين للعلاج بأبوال الأبل فتواصلت مع وكيلها الفاضل الذي أبدى استعداده لتوصيل المستحضر بطريقة شخصية ولما سألته لماذا لا يتوافر المستحضر في الأسواق ؟ أخبرني بأن السبب وزارة التجارة .
مع العلم بأن السوق مليء بمستحضرات طبية لا زمام لها ولا خطام وبعضها ثبتت سُميَّتها كما حذرت منها وزارة الصحة مع وجودها في الأسواق بشكل كبير ونظامي.
هذا المثال في المجال الطبي وقل مثله في المجال الدعوي إذ يوجد لدينا إمام جامع –طالب علم و له جهود دعوية- لكنه مع حرصه على الاحتفاظ بإمامة الجامع وإقامة دروس أسبوعية فيه إلا أنه كثير على الغياب عن الجامع مع حرصه على مواعيد دروسه في الجامع فقط وأما باقي الفروض فعليها السلام،وقصارى جهده في ذلك أنه ضبط وضعه مع مسئول الأوقاف ،فلا هو ترك الجامع لإمام يحافظ على الفروض فيه و لا هو أراحنا من دروسه، ومثل هذا حقه أن يكون ضمن الدعاة ولا يحجز الجامع ليصلى بنا أكثر الفروض المؤذن البنغالي.
وإذا جئت إلى المدارس وجدت أمثلة كثيرة جدا إذ ترى معلمين متميزين مشغولين عن تلاميذهم بأعمال إدارية لخدمة إدارة المدرسة وآخر همهم التلاميذ،كما تجد مديري مدارس مشغولين بمهام ليست من صلب عملهم وإنما تخدم  إدارة التعليم،وحتما ستجد كثيرا من المشرفين التربويين –على قدر من الخبرة-مشغولين بأعمال إدارية يستطيع القيام بها كتبة ذوي خبرة قليلة.
وإذا صعدت أعلى من ذلك وجدت مسئولين كبار يُشغلون بأعمال تعطل مسيرتهم التي يحتاجها المجتمع وإلا فكيف يمكن أن نفسر اشغال طبيب متميز في تخصصه بعمادة كلية طب وإدارة المستشفى لكليته مع أنه بقدر نجاحه في تخصصه الطبي أثبت فشله في الجوانب الإدارية.
رأيت مرة مقابلة تلفزيونية مع وجيه من أسرة ثرية ذات شأن يعرض فيها بعض اختراعاته مع أنها لا ترقى إلى ذلك المستوى المأمول ومع الأسف فإن القناة التي عرضت أعماله أظهرته بمظهر أكبر من مستواه الحقيقي في مجال الابتكار -ونحن لا نلومه فإن كل شخص يحب التنويه بأعماله – ولكن كلّ اللوم يقع على هذه القناة التي تبرزه لنا يوما كطالب علم له دروس وكتب ويوما مفكرا والآن مبتكر ومخترع مع أن مستواه في جميع ذلك دون المتوسط،وإن كان يقبل نصيحتي فإنني أنصحه بأن ينشئ مؤسسة لرعاية المخترعين ودعمهم ماديا ومعنويا بما أتاه الله من ثروة ومن جاه فإن نجاحه في ذلك سيكون بلا شك أفضل بكثير من نجاح اختراعاته المنفردة.
كل ذلك –وغيره-كان يدور في ذهني عندما أتأمل عنوان هذا المقال مرة بعد أخرى مع وجود نماذج صارخة لهذا العنوان ولا أدلّ عليها من نماذج مسئولين نجحوا في قطاعات ولمّا نقلوا إلى قطاعات أخرى لم يحققوا النجاح المنتظر منهم والسبب ليس في نقص أهليتهم ولكن لأنهم وضعوا في غير مكانهم المناسب حيث أُشغلوا ببيئات مصادمة للنجاح –غالب دعائهم الله لا يغيّر علينا-لا ترغب في التغيير ويسوئها نجاحهم أو أنهم لم يُساعدوا بفريق النجاح الأول أو ما يكافئه .
على العكس مما سبق كان هناك ذوي أهلية متميزين ولكن نجاحهم كان محدودا ومقتصرا على بيئة صغيرة فلمّا واتتهم الظروف أصبحوا ذوي مكانة عالمية يتابع نتاجهم على مستوى العالم -وهم لم يخسروا شيئاً فيما سبق إذ كان بمثابة الإعداد لهم-.
أقول هذا ومشاعر الأسى تنتابني على كثير من المواهب والرجال الصحاح الذهبيين الذي لا يُعرفون إلا بعد وفاتهم –وأجرهم على الله-إما زهداً في الشهرة أو خوفاً منها،ولي إنشاء الله عودة لهذا الجانب.
كتبه/أبو بكر بن محمد
7/4/1431هـ
Kmys99@yahoo.com

0 التعليقات :

إرسال تعليق

 
بوح قلمي ،،، أبو بكر بن محمد | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .