زرافة السحيمي ... وعنزة الليبرالية

الأربعاء، 12 يناير 2011



   يحكى أنه كان هنالك زرافة تعيش في غابة وأرادت الانتقال من مكانها إلى مكان بعيد من الغابة سمعت بأنه أحسن مرعى من ما هي فيه، ولما سارت إليه وجدت في أثناء سيرها مفترق طرق فوقفت حائرة وطال انتظارها وهي تفكر أي طريق تختاره؛ ومع طول انتظارها ومللها وترددها وخوفها من عدم القدرة على إحسان الاختيار مرت بها عنزة تعرف في الغابة بأنها حكيمة ؛ فلما رأت حالها سألتها عن سبب وقوفها فأخبرتها الزرافة بحيرتها بين تلك الطرق التي يؤدي كل منها إلى اتجاه مختلف  لاسيما وأنها لا تعرف شيئاً عنها كلها ،أجابتها العنزة الحكيمة بقولها: ما دام أنك لا تعرفين ماذا تريدين فكل الطرق متساوية لديك.
   كانت تلك القصة أصدق وصف يمكن أن أصف به ما خرجت به من قراءتي لمقال (جدِّد مفاهيمك: الإسلام !) الذي أرسله لي أحد الأخوة على بريدي الالكتروني وقرأت كذلك جزأه الأول (جدِّد مفاهيمك: القرآن يتحدى!) وكلاهما للكاتب محمد السحيمي في جريدة المدينة.ولهذا كتبت هذا المقال وأصدقكم القول إنني لا أهتم بقراءة غثاء مرتزقة الصحف المتلبرلين لقناعة كاملة عندي سجلت بعضها في ما كتبته بعنوان(سقوط ورقة التوت الأخيرة عن صحافتنا).ومفاد تلك القناعة يختصره المثل الشعبي القرص من طرف العجين فكثير من كتابات صحفيينا المتلبرلين –المرتزقة- إنما تغرف من عجينة واحدة إلا من رحم الله ووقاه مرض التلبرل وداء التغريب.
   وإذا قُدر لك أن تبتلى بقراءة ما كتبه السحيمي في مقاله الثاني عن الإسلام وتورطنا في مسمى المسلمين الدخيل ، بل وتواطؤ المستشرقين مع مصطلح (المسلمين) مع أنه لا يصح بحسب ما وصل إليه واستنتجه السحيمي -وأعيذه بالله من كل عين لامة- حين جاء كما قيل بما لم تأت به الأوائل في قوله:
" من يدرك أن اللغة هي «الفكر منطوقاً»، لابد أن يخلص إلى أن ذلك تسرب إلينا من مصطلح «المسلمين»، ويعني تحديداً: أتباع محمد صلى الله عليه وسلم! ومن يتذكر مقولة: «لامشاحَّة في الاصطلاح»، وقول «المهاجر»: «لا مشاحَّة (إلا) في الاصطلاح»، وأن «الإسلام» ضد الشرك، فلابد أن يدرك خطورة أن يُكَرَّسَ فينا عبر مئات السنين أننا نحن «المسلمون»، ومن عدانا فهم مشركون، أمر الله تعالى بجهادهم والإغلاظ عليهم!
ولا تدري متى تسرب إلينا هذا «المصطلح»؛ ولا كيف تواطأ معه المستشرقون أيضاً؟ أما القرآن فقد سمَّانا: «الذين آمنوا»، ولن تجد فيه مجرد إشارة إلى أننا نحن «المسلمون وحدنا ! "
  وكل هذا  ليصل إلى نتيجة قطعية مفادها:أنه لا فرق بين المسلمين وغيرهم من الملل الأخرى من الصابئة واليهود والنصارى مستشهداً بقول الله عز وجل }إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولاهم يحزنون{ .
ثم يأخذ في التفلسف وبكل أسف مع جهل مركب أضعافاً مضاعفة إذ أنه لا يحتاج لأن يرد عليه أحد ، ويكفيه أن يعود هو ليحاكم نفسه فيما خطته يمينه -إن كان أصلا يكتب بيمينه- في مقاله السابق (القرآن يتحدى) حين كتب ردّ الله عليه صوابه:
" وبعد أن حطَّم القرآن العظيم أصنام الشرك والعناد، التفت بالقوةِ نفسها مخاطباً «أهل الكتاب» الذين {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}، والذين {يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض}، بعد أن أكَّد على محمدٍ وأتباعه/ «الذين آمنوا» بقوله: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون}"
فأسألكم بالله العظيم يا معاشر من يعقلون هل يحتاج مثل هذا إلى أحد يردّ عليه ؟
وهل مثل هذه التناقضات تحتاج من يكون ذكيا ألمعيا ليفندها ؟
ثم إذا كان منهج السحيمي في الاستدلال الاقتصار على بعض الشواهد والنصوص وإغفال بعضها الآخر فما الفرق بينه هنا وبين التكفيريين الذين يستدلون مثله بآيات من القرآن الكريم وأحاديث توافق هواهم وإغفال ما يكذب افترائهم؛ وماذا عساه يجد من يريد إسقاط الصلاة عن الناس وتجريم من يصلي غير أن يستخدم هذا المنهج في الاستدلال ليأمر الناس بترك الصلاة مستدلاً بقول الله تعالى:(أرأيت الذي يكذب بالدين *فذلك الذي يدع اليتيم *ولا يحض على طعام المسكين* فويل للمصلين) ثم يقف هنا ولا يكمل ليفهم من يقرأ كلامه أن المصلين مخطئون يستحقون الويل بل ويتساوون في الجرم مع المكذب بيوم الحساب ومهين الأيتام والمساكين!
أرأيتم إلى أي حدّ يمكن أن يصل مثل هذا المنهج في الاستدلال من تلاعب بالدين وتأييد لهوى النفس ، ولهذا كله ورد تسمية أصحاب هذا المنهج بأهل الأهواء وجاء التحذير الشديد منهم ومن الجلوس معهم وأمر كثير من السلف بعدم الكلام معهم ولو كلمة واحدة –لمن لم يكن لديه علم راسخ-لأن كثيراً من الناس وإن لم ينحرفوا عن دينهم إلا أن كثرة سماعهم وقراءتهم لأهل الأهواء تحدث عندهم شكاً فيما هم عليه ، ورأس المال وهو عقيدة المرء وثباته أهم من أي ربح آخر متوقع.
و مقال السحيمي الثاني (جدِّد مفاهيمك: الإسلام !)الذي كتبه ليستنكر حادثة تفجير كنيسة الإسكندرية يظهر أن الباعث له إرضاء فئة داعمة- الله أعلم من هي-والتي يظن أنها في حاجة لما يكتبه .وأرجو أن أكون مخطئاً في ظني ولكن الأيام لا تزيدنا إلا يقيناً في كثير من مرتزقة الصحافة وبخاصة من يلمعون بعضهم البعض.
 والإعجاب بالنفس يظهر في مقاله الأول حين يسعى للثورة على دعاة الكهنوت والدروشة والوصاية على الدين والأمة –بزعمه- وينعى على الأمة الظهور بمظهر الضعيف (المدافع عن نفسه، الخائف أن تتخطفه الأهواء) كما يصفها ؛ وليظهر هو نفسه بعدها في مظهر الضعيف حين  يهزأ بثوابت الدين مما ورد في الجنة من حور عين ،ويجتر مصطلح غواية آدم النصراني من قبل حواء في جهل واضح للقصص الإسلامي وتشرب واضح للقصص الغربي ، ومن ثم يقع فيما نعاه على الأمة الضعيفة .
وهو حين يبادر-بزعمه- بفعل فلسفي يظن أنه ينهض بالأمة لم يشعر بأنه إنما يدور في حلقة مفرغة لم تنتج للأمة شيئاً منذ قرن كامل من إغراق المسلمين المعاصر في الفلسفة! وبقاءه هو وأمثاله رهين القرن السابع عشر الميلادي في الغرب دون حراك حقيقي ؛ والسبب بكل بساطة في قصور رؤيته وأمثاله هو :اختلاف واقع الحال بين أوروبا وبلاد العرب في كل شيء!
إن تخبطه الفلسفي ! غير المستنير مرة ذات اليمين ومرة ذات الشمال ونفيه اختصاص المسلمين بهذا المصطلح الدخيل بزعمه مع وروده في القرآن الكريم كما نقله هو بخطه ، يدل على أن السحيمي واقف موقف الزرافة ولعل العنزة الليبرالية هي دليله إذ أن حاله يدل على أن كل الطرق لديه سواء .
وسألتمس العذر للسحيمي بناء على توصيف خلف الحربي له في كتيبة الشيطان :(أما الزميل محمد السحيمي فهو شيطان لا يمكن أخذ وسوسته على محمل الجد لأنه يحول الوسوسة إلى (وشوشة!).).
ولهذا فإني أتمنى من الكاتب محمد السحيمي أن يراجع وشوشته قبل أن ينشرها، وقد قيل إذا كنت كذوبا فكن ذكوراً ، وأنا أزيد إذا كنت متفلسفاً فكن متعقلاً .
وسأتجرأ على نقل كلام قيم لابن القيم مع علمي بعدم محبة كثير من صحفيينا المسترزقين لابن القيم وشيخه ابن تيمية لكني مع ذلك سأتجرأ على السحيمي فيلسوفنا الموشوش-بحسب خلف الحربي- لأطلب منه التواضع لقراءة ما قاله ابن القيم لعل فيه حكمة والحكمة ضالة المؤمنين ولو كانوا حسب تصنيف السحيمي لهم - ما علينا – يقول ابن القيم:
(وقد خلق الله سبحانه النفس شبيهة بالرحى الدائرة التي لا تسكن ولابد لها من شيء تطحنه فإن وُضع فيها حب طحنته, وإن وُضع فيها تراب أو حصى طحنته.
فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحب الذي يوضع في الرحى ولا تبقى تلك الرحى معطلة قط بل لابد لها من شيء يوضع فيها, فمن الناس من تطحن رحاه حبا يخرج دقيقا ينفع به نفسه وغيره وأكثرهم يطحن رملا وحصى وتبنا ونحو ذلك, فإذا جاء وقت العجن والخبز تبين له حقيقة طحينه ) ا.هـ من كتاب الفوائد.
كلام جميل أليس كذلك ؟ لكن الله يستر ماذا سيكون طحين السحيمي مع إغراقه في فلسفة لا يتقن مبادئها ولا يعرف تاريخها حقيقة ولا يدرك منتهاها.
وبالمناسبة أخي السحيمي  لتتعلم أكثر عن سلمان الفارسي فإني أنصحك بإعادة قراءة كتاب صور من حياة الصحابة لعلمي بأنك قد قرأته حينما كنت طالباً ضمن القراءة الإضافية لمادة المطالعة إلا إذا كنت من الطلاب الذين كانوا يهربون من المدرسة، وميزة هذا الكتاب أنه يختصر عليك وقتاً لا تستطيع أن تقضيه مع سير أعلام النبلاء وأسد الغابة وأمثالها من الكتب الموسوعية ! كما أن صور من حياة الصحابة ألفه الدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا رحمه الله رحمة واسعة ليناسب الناشئة بأسلوب قصصي جميل. وإذا قرأته فإنك حتما ستجد ضمن قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه إجابة شافية عن تساؤلاتك عن أجداد سلمان الفارسي وعن إيمان اليهود والنصارى وصحته بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.

كتبه/أبو بكر بن محمد
8/2/1432هـ
Kmys99@yahoo.com

0 التعليقات :

إرسال تعليق

 
بوح قلمي ،،، أبو بكر بن محمد | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .