الأزلام جمع زَلَم، وهو السهم، أو القدح، بمعنى قطعة من غصن مشذبة، وكانوا في الجاهلية إذا أراد أحدهم سفرا أو غزوا أو زواجا أو بيعا، أو غير ذلك مما لا يعرف وجه الخير فيه، أتى أحد سدنة البيت وطلب منه أن يخرج له الأزلام، وهي قداح ثلاث: مكتوب على أحدهما افعل، وعلى الثاني لا تفعل، والثلاث غفل ليس عليه شيء. فيدير هذه الأزلام ويحركها، ثم يأخذ واحدا منها، فإن خرج المكتوب عليه افعل استبشر خيرا ومضى، وإن خرج لا تفعل استبشر شرا وقعد، وإن خرج الغفل الذي لا كتابة عليه أعاد الاستقسام.
وقد حرم الله تعالى الاستقسام في القرآن في أكثر من موضع ومنها قوله تعالى: (وأن تستقسموا بالأزلام).
قال ابن عاشور: "كان العرب، كغيرهم من المعاصرين، مولعين بمعرفة الاطلاع على ما سيقع من أحوالهم أو على ما خفي من الأمور المكتومة، وكانوا يتوهمون بأن الأصنام والجن يعلمون تلك المغيبات، فسولت سدنة الأصنام لهم طريقة يموهون عليهم بها فجعلوا أزلاماً.
يقول عبد السلام هارون: "واختلاف الروايات في ذلك يدلنا على أن العرب ما كانوا يلتزمون في صناعة الأزلام نهجاً معيناً يقسرون عليه أنفسهم، وإنما كان لكل كاهن من كهانهم، ولكل حكم من حكامهم طريقة خاصة فيما يكتب على أزلامه من الإشارات، كما يدل على أن لكل قضية من قضايا الاستفتاء أزلاماً خاصة بها تناسبها وتنهض لها"
والأزلام أنواع، بحسب مواضيع الاستشارة، بحيث كان لكل موضوع تقريباً زلم خاص به. ومن أهم المواضيع التي يستقسمون لأجلها: السفر ، التجارة ، النسب ، الحرب ، التحكيم ، الحفر عن المياه الباطنة،الزواج، الختان، البناء، وسائر شؤون الحياة.*
لا أعلم لماذا استحضرت هذا الموضوع عند متابعتي لما تتناقله وسائل الإعلام عن حملة قيادة المرأة للسيارة في السعودية وكأن تلك الوسائل الإعلامية تستقسم بأزلامها الإعلامية مرة بعد أخرى وتكرر الاستقسام حتى يخرج سهمها الذي تريد وتنتظره تماماً كما كان يفعل العرب في الجاهلية حينما يلحون في تكرار الاستقسام بالأزلام في كل مرة لا يخرج ما يوافق هواهم حتى ييأسوا منه والآن ونحن في عصر القوة الإعلامية ونفوذها الممتد في شرايين المجتمع نرى تكرار محاولات الصحافة ووسائل الإعلام على جعل قضية قيادة المرأة السعودية هي أكبر هموم المرأة وأعظم معضلة بحيث لو لم تتجاوزها وتثبت نجاحها وتفرض إرادتها لتخرج وتقود سيارتها في شوارع المدن فإن حياتها ستنتهي وتبوء بالفشل الذريع لتصبح أمة مملوكة لا تتجاوز أن تكون واحدة ضمن أخريات من مقتنيات الحرملك!.
وكأن نساء السعودية قد صودرت جميع حقوقهن واحتياجاتهن وليس لهن ناصر إلا أن يقدن سياراتهن ويخرجن بها في جولة على شوارع مدننا الكبرى ثم يأوين إلى بيوتهن آمنات وقد حققن النصر في معركتهن الكبرى للحرية!.
أي عقول تقبل مثل هذا السفه الذي يختزل المشكلة والحل خلف مقود السيارة؟
إن تترس وسائل الإعلام المحلية والأجنبية وسدنتها بالمرأة السعودية التي تجلس خلف مقود سيارتها وضغطهم على هذا مرة بعد أخرى خلال عقدين من الزمان يدل على أن وراء الأكمة ما ورائها وبغض النظر عن الجوانب الفقهية للمسألة التي لها رجالها؛ فإن المسألة أكثر من مجرد مسألة انتزاع حقوق المرأة المظلومة من مجتمع رجولي قاهر، إنها و بلا أدنى شك خلخلة لأسس المجتمع بشكل كامل إذ أن أهم لبنات المجتمع هي الأسرة والمحافظة عليها ضمان لبقاء المجتمع ونمائه ولا يستقر مجتمع بدون أسرة مستقرة وأهم ضمان لاستقرار الأسرة هو بقاء المرأة في بيتها وحفاظها على تربية أبنائها وصيانة بيتها من التفكك فإذا خرجت المرأة تزعزت الأسرة وانهار بذلك بناء المجتمع.
وهذه الدعوات التي تدعي الحرص على المرأة وتزعم الدعوة إلى حق المرأة في الحياة لا تعدو أن تكون سهاماً تضرب قلب المجتمع المتمثل في الأسرة التي بانهيارها سينهار المجتمع ولو كان هؤلاء صادقين في الحرص على الإصلاح وتطوير المجتمع إذن لوجدوا سبلاً كثيرة يصلحون بها المجتمع ، فلماذا يركزون على الاختلاط وخروج المرأة من بيتها؟ آلخير يريدون؟
إن المرأة إذا خالطت الرجل وصار بينهما ود ومعرفة وزمالة وملاطفة لم يعودا بحاجة إلى الزواج، وإذا خرجت المرأة من بيتها لحاجة ولغير حاجة لم يعد هنالك من يحافظ على الأسرة ، ثم تلاشت الأسرة التقليدية وحلت مكانها أسر ناقصة ومشوهة! .أوليس هذا حال المجتمعات التي سبقتنا في مدارج الحضارة ؟.
إن أصحاب كبر هذه الدعوات هم من غير المسلمين الذين قال الله فيهم : (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء ).
وكل من اتبعهم من المسلمين فهو أحد اثنين إما مغفل أو شهواني .
وإن كل ذلك لا يلغي وجوب مراجعتنا لوضع المرأة في مجتمعنا والعناية بحسن تربيتها وضمان حقوقها أن تصل إليها دون حاجة إلى أحد ممن قد يستغل حاجتها ولا يمنعنا بغضنا لدعوات تحرير المرأة ودعاتها من أن نقف وقفة محاسبة لأنفسنا لنكون كما أراد الله لنا ونحن نحمد الله على أننا بلينا بعدو أحمق ينكشف لأول وهلة ومنذ الجولة الأولى.
أبو بكر بن محمد
1432/6/24هـ
*روضة الباحث وموسوعة دهشة.
0 التعليقات :
إرسال تعليق