إشكالية الحشد والاختزال

الجمعة، 8 يوليو 2011


نعاني كثيراً في حواراتنا الفكرية من إشكالية تسيطر على بعض المتحاورين حينما يلحِّـون في حواراتهم للتأكيد على نتيجة قرروها سابقاً ، فتجد أحدهم يدخل إلى ساحة الحوار ليؤكد رؤيته السابقة من خلال حشد الأدلة التي تؤيد ما قرره وذهب إليه فيسوق لك الشاهد بعد الآخر ويعدد لك عشرات الشواهد والأدلة المنتقاة والمتحيزة مع لي أعناق بعضها لتؤيد ما ذهب إليه ثم يختزل النتيجة لتأكيد ما سبق أن قرره .
وظاهر أمره أنه بحث واستعرض المشكلة من جميع جوانبها حتى وصل إلى النتيجة بينما حقيقة أمره أنه سبق أن اختزل رؤيته وأصدر حكمه لكنه من باب الحيلة الذهنية-اللاشعورية أحياناً- يحشد الشواهد التي يعمل على انتقاءها لتؤيد فكرته واختزاله السابق للقضية التي يطرحها.
ولولا خشيتي أن أقع في مصيدة الحشد والاختزال لسقت لكم الشواهد الكثيرة من مشهدنا الثقافي الذي نراه كل يوم من كلا الطرفين والذين يعلو صوتهما ويرتفع إلى درجة تحجب عنا الأصوات المعتدلة والمتزنة ، وقد حاولت التقاط صورة من هذا في مقال سابق بعنوان المشهد الثقافي.
وهذا أسلوب الضعفاء لأنه يحسنه كل أحد، أما فحول الفكر وأصيلي الرأي فلن تجد هذا من شأنهم وإذا نظرت فيما يكتبه أمثال هؤلاء الرواد مثل ابن تيمية والذهبي وابن خلدون والشاطبي حينما يطرحون رؤاهم وأفكارهم فإنك ستجدهم يستعرضون جميع الآراء حتى التي تخالف ما ذهبوا إليه ثم يناقشونها ويردون عليها بحسب ما وصلوا إليه.
وستجد آخرين غير هؤلاء من أئمة الفكر ورواد العلم وإنما اقتصرت عليهم لشهرتهم ومعرفة أكثر الناس لهم ومن المعاصرين أيضاً أدباء ومفكرون وعلماء ربانيون تجد لديهم تحرراً من إشكالية الحشد والاختزال ، بل وستعجب إذا سمعت أحد هؤلاء الكبار يقول لا أدري فيما ترى صغاراً لا يتوانون عن القطع في كل مسألة تثار ولو كانت غير ذات فائدة !.
ومن الإنصاف للنفس أن يعتني الإنسان بفكرته ويكرر النظر فيها مرة بعد أخرى ويضع نفسه مكان خصمه في عملية تبادل للأدوار وحين يفعل ذلك فإنه سينصف نفسه قبل أن ينصف خصمه وسيتخفف من عناء كيل التهم للآخرين والخوض في أعراضهم ونواياهم ، وقديماً قيل من ساواك بنفسه فقد أنصفك.وفي مأثور الحكم عامل الناس كما تحب أن يعاملوك .
وأعظم من ذلك كله أمر الله عزوجل لعباده: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) [النساء : 135].
وليس فيما سبق دعوة للرضا بكل ما يثار أو السكوت عن خطل الرأي وداعية السوء لكنه تذكير لمن كتب وحاور وأبدى رأياً أن يزنه بميزان الحق والعدل قبل أن يعلنه وينقده قبل أن ينشره ، وإذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده.

                                                  كتبه/أبو بكر بن محمد
                                                      1432/8/7هـ

في القاموس المحيط (الاخْتِزالُ: الانْفِرادُ، والحَذْفُ، والاقْتِطاعُ).


0 التعليقات :

إرسال تعليق

 
بوح قلمي ،،، أبو بكر بن محمد | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .