شاب في مقتبل العمر لم ينل من العلم إلا أقله ولا من التجربة إلا شيئاً لا يكاد يذكر ،وهو عالة على من حوله في استنتاجاته وأحكامه وشئون حياته الأخرى، ومع ذلك كله تجده لا يتورع عن نقد ذلك الشخص ولا الطعن في آخر،ويدبج المديح المبالغ فيه لمن يوافقه في رأيه فإن خالفه عاد عليه بالسباب والشتائم ودعا عليه بالويل والثبور وعظائم الأمور.
يكثر حديثه عن نفسه وإعجابه برأيه وتسفيه الآخرين وانتقاصهم فإذا سمعك تمدح شخصا أو تثني عليه فكأنما وجأت في عنقه لينقلب على من ذكرته بالنقد وذكر معايبه وتعظيمها والتقليل من محاسنه حتى يصل إلى جحدها.
فإن أردت أن تعرف مبلغ علمه عن الآخرين ودققت وجدته معتمداً على المفتي الشيخ (قوقل) في جمع بعض ما كُتب عن من قصده بالذم والانتقاد ، وإن أردت أن تناقشه لتفند هذه الانتقادات وجدت منه تصلبا وعنادا لا يزيد مع النقاش إلا شراسة! لتجد نفسك مضطرا في النهاية للانسحاب حفظا لوقتك وعقلك ودينك.
ولو بحثت عن سبب سخطه لم تجد له سببا إلا التيه بالنفس والذهاب بها مذهب العظماء في بحر من الأماني التي يكذبها العمل ووجدته مفلساً في كثير من الفضائل التي يجحد وجودها في الآخرين، وكثيرا ما تجتمع الأماني مع الإفلاس حتى قيل رأس مال المفاليس الأماني. ولا يزال هذا حال صاحبها ما بين أمنية دون عمل حتى ينقطع زمانه وتذهب أيامه وهو مستغرق في أحلامه ، ولو أنه حاول الصحو مبكرا لربما أنتج. وقد نقل في بعض الحكم إن أفضل طريقة لتحقيق الحلم هي أن تستيقظ من النوم .
وخير ما يعمله المرء هو أن يطهر باطنه من رذائل الأخلاق كالغل والحسد والكبر والإعجاب والتيه ومراقبة الناس التي تورثه هما ،ولو ترك مالا يعنيه لحسن بذلك دينه ولو قضى الإنسان عمره في ذلك لكان على حق إن شاء الله وقد جاء في بعض الآثار أنه الجهاد الأكبر إذ النفس أصعب جهاداً من العدو، وقد نقل عن بعض العلماء الحكماء أن جهاد الحياة أعظم من جهاد الموت فحين يجاهد الإنسان نفسه لتستقيم على الحق والإيمان طوال عمره ويطول به الأمر ويصبر على ذلك أعظم من أن يدخل معركة فيقتل فيها شهيداً .
وفي حال استمر الشاب في هذا الخلق الرديء من تتبع الانتقادات على الآخرين وتسجيل أخطائهم فإنه سيحرم نفسه من إنتاج أي شيء ذي بال وسيبقى مكانه يراوح بين ماذا قال فلان وماذا قيل فيه ، ويظل يتتبع الزلات والسقطات حتى يصبح كالذباب الذي لا يقع إلا على القاذورات ولا يستفاد منه.
ومن كان هذا حاله فإن الأمة لا تحتاجه و لا تأبه له وبمجرد موته سيسقط من ذاكرة الزمن ، وفي بعض أمثال الشعوب (إن الأمة لا تبني تمثالا للنقاد).
ولو صلحت نية أمثال هذا لصلح عمله ويسره الله ليكون شخصا منتجا يستفيد منه الآخرون ، ولتحول جهده من البحث عن العثرات والمساوئ إلى البحث عن ما يفيده في دنياه وأخراه ويفيد من بعده،ولغدا مثلاً نافعاً وعلامة فارقة في جبين الأيام .
وصدق عليه وصف الحبيب صلى الله عليه وسلم في قوله:( مثل المؤمن كالنحلة لا تأكل إلا طيبا ولا تضع إلا طيبا).
كتبه أبو بكر بن محمد
17/3/1432هـ
0 التعليقات :
إرسال تعليق