أخرجوا المرأة من جزيرة العرب

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011


كنت قد وصفت هذا العام بأنه عام المرأة بامتياز  لكثرة الحديث عنها وما نتج عن ذلك من قرارات ودراسات وتوصيات وحتى لا نضيع في دوامة الحوارات التي تأخذ بنا يمنة ويسرة دعونا نتعرف على المرأة التي نعرفها كما خلقها الله وأرادها لا كما يريدها أطراف النزاع الذين يشدها كل طرف إليه حتى خشينا عليها أن تتمزق.
نعرف أن المرأة سكن لنا ومودة ورحمة وقد جعلها الله لنا آية من آياته سبحانه وتعالى كما في قوله:(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم 21.
وهي حفية لأن يوصي بها نبينا عليه السلام في آخر مجامعه العامة التي اجتمع له فيها أكبر عدد من أتباعه عرفته السيرة النبوية ، وكانت من أهم وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المجمع الذي عرف في السيرة بحجة الوداع: (واستوصوا بالنساء خيرا ، فإنهن عندكم عوان).
ومعلوم من سنته صلى الله عليه وسلم أن برّ الأم ثلاثة أضعاف برّ الأب وقال لمن سأله عن الجهاد معه وترك أمه الزم رجلها فثمّ الجنة ومنه أخذ المثل المشهور الجنة تحت أقدام الأمهات.
وأخبر بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام أنه من كانت له بنات فأحسن تربيتهن وتأديبهن وصحبتهن وأنفق عليهن ثم زوجهن كن له ستراً من النار.
ومن أجمل الكلمات عن العلاقة بين الرجل والمرأة :أن الرجل بين امرأتين كلتاهما تدخله الجنة أمه وابنته.
كما تكررت الوصية بالزوجة في غير موضع ومن أشهر ذلك قوله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهم بالمعروف).
كما جاءت الوصية بالخالة والعمة والجدة فقال عليه السلام : الخالة أم .
وقد ساوى الله عز وجل بين الرجل والمرأة في الأجر قال تعالى: ( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً )النساء 124.
لكنه مع ذلك فرق بينهما في الواجبات والتكاليف والمسئولية على ما هو معروف من فروق بين الرجل والمرأة في أحكام الشريعة بحسب ما أراده الله لكل جنس من مهمة تناسبه في عمارة الأرض.
ومما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام:إنما النساء شقائق الرجال.
وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: إنما حبب إلى من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة.
والمرأة كما هي سكن لزوجها فإنها زينة  لحياته إن صلحت وأثمرت علاقتهما المودة والرحمة من كلا الطرفين .
وهي مع ذلك من خصائصها أنها محبة للزينة يقول الله عزوجل: (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) الزخرف18
جاء في تفسير الجلالين: (أومن) همزة الانكار وواو العطف بجملة أي يجعلون لله (ينشأ في الحلية) الزينة (وهو في الخصام غير مبين وجعلوا) مظهر الحجة لضعفه عنها بالأنوثة.
ومما يتعلق بهذا المعنى ما ذكره صاحبي إذ يقول : رزقت ببنت بعد أولاد فكانت لما ناهزت العام الأول من عمرها تحرص أن تتزين ثم تجلس إلى جواري في طريقة مختلفة عن إخوتها الذكور وتتودد لي وكان هذا ديدنها معي فكنت إذا أقبلت لتجلس جواري أفسحت لها وطبعت قبلة على خدها ثم قلت لمن حولي:من علمها أنها أنثى ؟ وهي في هذه السنّ.
تذكرت ما قاله صاحبي ذات مساء حين كنت في أحد الأسواق الكبرى مع أهلي فلاحظت دخول عائلة معها خادمة من شرق آسيا ويتضح من سلوكهم وهيئتهم أنهم من العائلات المحافظة الذين يكرمون من يعمل لديهم وبعد دخولهم اتجهت الخادمة إلى ركن مستحضرات التجميل والعطورات فتذكرت مقولة صاحبي فرددت: من علمها أنها أنثى ؟ مع قلة دخلها وبعدها عن الحاجة إلى الزينة لانشغالها لكن مع ذلك غلبت عليها فطرتها.
ومن هنا التقط الشاعر تلك الصورة وعبر عنها بقوله:
كتب القتل والقتال علينا     وعلى الغانيات جرّ الذيول
لكننا مع كثرة الجعجعة الإعلامية حول المرأة ودعوات المنادين بحقوق المرأة ووجوب خروجها لسوق العمل واحتذائها نموذج المرأة الغربية والطعن في عاداتنا وتقاليدنا وتجاوز ذلك إلى درجة الطعن في الأحكام الشرعية ما جعل بعض الناس في حيرة من أمرهم وشك من واقعهم الذي يعيشونهم والذي تصوره بعض وسائل الإعلام بأنه ظلامية وتخلف.وإن كنا لا نختلف مع أحد في وجوب حصول المرأة على حقها لكننا سنختلف حتما على نوع هذه الحقوق وشكلها لاسيما التي تخالف صراحة ما جاء به الشرع الحنيف.
ولقد أصبحنا لكثرة ما نرى ونسمع مصابين بداء متابعة قضايا المرأة وكأنها لم تكن موجودة طوال الزمن الماضي وكأن الناس كلهم كانوا يسيئون معاملتها ويسلبونها حقوقها.
ومما يعرف في الدراسات النفسية ما يسمى بمبدأ التهيؤ والاستعداد ويعني أن تحفز الإنسان لأمر ما وترقبه له يصبغ ردات فعله فمثلا الجائع يتوقع كل صوت أنه مبشر بطعام والذي ينتظر حبيباً يتوقع كل حركة ورنة هاتف على أنها بشرى بمقدم حبيبه.
هذه الحالة التي تكاد تصيبنا من كثرة ما نسمع من الجعجعة بقدوم المرأة وبشارات بأخذها مكانها في العالم وكأنها كانت غائبة فحضرت أو ميتة فبعثت؛ لتصبح حديث الساعة فعنها تتحدث الأخبار ولها تصدر القرارات وبإبرازها تُبشر جموع وتخوف أُخرى ! وكأنها امرأة غير تلك التي كنا نعرفها وتربينا في أحضانها ونسعى الآن لخدمتها ونجهد أنفسنا في محبتها ونيل رضاها أما وزوجة وبنتا وأختا.
ويبدو أن تلك الدعوات سيستفيد منها أناس كثر فقد جاءني بريد الكتروني دعائي يعرض عشر دورات تدريبية وأولها (المهارات القيادية والإدارية للمرأة) وقد كتبت كلمة المرأة ببنط أكبر بشكل بارز وأشارت إلى أن هذه الدورة مميزة جداً! مما يدلل على أن التجار والمسوقين أصبحوا كعادتهم يجيرون كل قضية لزيادة أرصدتهم،وكذلك تفعل كثير من الوسائل الإعلامية.
لكن أكثر هؤلاء الكتبة والمتحدثين إنما يتكلمون ويكتبون عن امرأة غير تلك التي نعرفها وقد كتب نجيب الزامل مقالا عن المرأة الأسبوع الماضي وكان من ضمن التعليقات على مقالته في موقع الاقتصادية تعليقا لمن رمزت لنفسها بالمتألقة تقول :
(المرأة..المرأة..المرأة..ما أكثر الحديث عنها في هذه الأيام، وكأنها كائن غريب أو مخلوق جديد قد أوجده الله على الأرض..عقل المرأة..مزاجية المرأة ..وكأن المرأة كائن من فصيلة أخرى غير البشر..
أيها الكاتب الكريم المبجل..ألا بحثت عن صياغة أخرى للحديث عنا لا تشعرنا نحن النساء بأننا مخلوق من كوكب آخر؟ لا نحتاج في هذه الأيام إلى سرد ثقافي لأقوال المفكرين وإنما نحتاج إلى من يطرح همومنا بصدق وبهدف إيجاد الحلول..
وأكثر الضرر الواقع على المرأة-للأسف- بسبب تصرفات الرجال).
وتقول ريم آل عاطف في مقال لها ترد فيه على بعض الكتاب : وأسأل أستاذ عبدالله وغيره ممن اختزل كل الكرامة والحقوق في كشف وجه أو قيادة سيارة أو كرسي بمجلس بلدي: من قال لكم إن دخول عشرات النساء مجالس الشورى أو البلدية أو حتى عدم دخولهن يمثل هاجسا أو هما بالنسبة لملايين النساء السعوديات؟!.
وفي مجموعة عبدالعزيز قاسم نشر عن أحد المسئولين نسبة مبالغ فيها للراغبات في قيادة المرأة للسيارة ؛وعلقت عليه في المجموعة ذاتها البندري إبراهيم: (وإني أتساءل كيف حصل الدكتور على هذه النسبة التي تعدت المتوقع ؟!!!
وأنا الفقيرة الضعيفة لم يأت أحد في حياتي كلها يسألني إن كنت أريد قيادة السيارة أم لا و وكذلك الحال مع شقيقاتي وزوجات إخواني وعماتي وخالاتي وبنات عمي وبنات خالي وصديقاتي وزميلاتي وجاراتي !!!!! واللاتي كلهن يرفضن هذا الأمر رفضا قاطعا  , وقد بُحت أصواتنا ونحن نقول :لااااااااااااااااا نريد قيادة السيارة  , ولكن لا أحد يسمعنا أتدري لماذا ؟ لأننا نقولها ونحن متسترات متخدرات في بيوتنا تعبدا لله تعالى وإيماناً بقوله ( وقرن في بيوتكن) . هل يستلزم الأمر يادكتور عبدالعزيز أن نحدد يوما نتجمع فيه ونرفع لافتات ( لااا لقيادة السيارة) (لااا لعضوية مجلس الشورى والبلدي) حتي يُسمع صوتنا الحيي؟!!
أخبرني بالله هل ينفع ذلك ؟ وهل سنستطيع أن نفعله ونحن تربينا على الحياء والحشمة والستر ؟!!
آآآه يادكتور لو تعلم الخيبة والصدمة التي شعرنا بها عشية قرار الملك , ثم تأتي حضرتك وتصوره على أنه مجد لنا وتزيدنا غيظا على غيظ  !).
وجاء في بعض المنتديات بشأن المرأة العربية التي سبقت المرأة السعودية في هذه الدعوات منذ عقود طوال(رغم ما سُجل في السنوات الأخيرة من حماسة في الخطب، علت منابر السياسيين والبرلمانيين والحقوقيين صارخة في السواد الأعظم اللامبالي بنصفه الاخر لكن واقع المرأة ظل باهتا، صامتا تزعزع من حين الى آخر بعض الثائرات اللواتي يقتحمن عنوة سوق العمل ويزاولن نشاطات سياسية على الهامش.

غير أن المطبلين والمهللين لهذا الحضور الخجول، تناسوا أن حقوق المرأة لديهم بقيت هلامية يطغى عليها الطابع الرمزي ولا ترقى إلى مستوى التطلعات.

والأكيد أن حقوق المرأة العربية ما زالت تحبو وقد يصيبها العرج في قادم الأيام نتيجة كثرة العلل وتضخم الهنات.

ففي كل ثانية، تتعرض المرأة في دولنا العربية للاضطهاد والعنف والتحرش الجنسي، وتبقى هذه الظاهرة سجينة البيوت والقلوب بدعوى الخصوصية والحياء والعيب.).
لهذا كله أدعوكم إلى المشاركة في حملة ( أخرجوا المرأة من جزيرة العرب) نعم تلك المرأة التي تشكل كائنا آخر غريبا غير التي نعرفها والتي جعلها الله سكنا ومودة ورحمة ؛ ولنتداعى كلنا لنخرج ذلك المخلوق الفضائي الغريب من جزيرة العرب ؛ ولنخرج معها ذلك الرجل الشقي –أيّا كان- والذي لا يعرف لها حقها ويحسن إليها كما أمر بذلك ربنا عز وجل ونبينا عليه الصلاة والسلام.
     

كتبه أبو بكر بن محمد
1432/11/13هـ
http://qalmey.blogspot.com/

0 التعليقات :

إرسال تعليق

 
بوح قلمي ،،، أبو بكر بن محمد | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .