عقدت وزارة التربية والتعليم مؤتمراً عالمياً عن الجودة في الرياض يوم السبت 4/2/1432هـ وكانت موضوعات الجلسات عن تجارب الجودة المطبقة في شرق العالم وغربه واستعرضت تجارب أهم الدول التي تميزت بنظم تعليمية متقدمة تطبق الجودة.
وكان هذا حسناً وجميلاً وهي خطوة رائدة لوزارة التربية والتعليم وتحسب لها إن شاء الله ولكن ! وآه مما بعد لكن.
هل وزارتنا جادة في تطوير تعليمنا وهل هي حقاً حريصة على أن ننافس دولا مثل ماليزيا أو فنلندا ممن استعرضوا تجاربهم، فضلا عن غيرهم؟.
حينما نسمع تصريحات المسئولين نستبشر خيراً وحينما نلقاهم نجد آمالا وطموحات ، لكنها مع الأسف لا تلبث أن تذروها الرياح بمجرد انتهاء اللقاء وكأنها مجرد فلاشات إعلامية من أجل إثبات أن هنالك أناس يعملون، وإذا طرحت مشكلات الميدان من قبل خبرائنا المحليين العاملين في الميدان كان ردّ المسئول أبشر ثم ماذا؟
وكان لنا في كل لقاء أبشر فلما افترقنا مات أبشر
ومن باب تذكير أحبابنا المسئولين في الوزارة -وفقهم الله للخير والسداد وصلاح المجتمع -بقضايا مهمة مرتبطة بالجودة أحببت أن أذكرهم ببعض النقاط:
-الجودة وبخاصة في البداية يجب أن تعطى من الوزارة للميدان قبل طلبها منه؟
-الجودة عمل مخطط ويمكن رؤية آثاره حقيقة في الواقع أكثر منها تنظير ربما وصلنا إلى درجة الملل من سماعه.
-الجودة ينبغي أن تنشر ثقافتها بطريقة عملية ولا يكتـفى فيه بالمحاضرات والمؤتمرات، كما ينبغي نشر ثقافتها عملياً من أعلى الهرم إلى أسفله تدريجياً،لأن الناس جميعاً معقودة أنظارهم بالرأس وهم في الغالب تبع له، فلا يكفي من المدير العام أن يطلب من المديرين التابعين له بالجودة وهم لا يرون آثارها في عمله وإنتاجه،وهكذا تستمر السلسلة إلى أن تصل إلى مدير المدرسة ثم المعلمين والطلاب سلباً أو إيجاباً.فإذا كانت الوزارة جادة في المطالبة بالجودة فلا بد أن تطبقها عملياً وأول ذلك الاتجاه نحو الميدان بشكل أكبر وعدم التعويل كثيرا على التلميع الإعلامي الذي يضر أكثر مما ينفع وبخاصة أن وزارتنا خدمية يستفيد منها جميع أفراد المجتمع و لا يوجد ما يمكن إخفائه عن الجمهور في الغالب.
-ثم هل من الجودة يا وزارتنا أن أكثر مدارسنا لا يوجد فيها مياه صالحة للشرب،وكثير منها يفتح مشروع خيري بين المعلمين وأولياء الأمور للتبرع بمياه الشرب للطلاب ؟!
-وهل من الجودة أن تكون أكثر دورات المياه-أجلكم الله- في مدارسنا مغلقة للصيانة طوال العام الدراسي؟! وهل يمكن للعشرات من الطلاب البقاء طوال اليوم الدراسي دون قضاء حاجتهم.
-وهل من الجودة أن يكون العاملين المتميزين في مدارسنا من معلمين ومديرين على درجة واحدة يتساوون في النهاية مع غير العاملين و تسوي الوزارة بينهم فكلهم يحصل في النهاية على نفس درجة الأداء الوظيفي ونفس العلاوة؟
-وهل من الجودة أن تبقى الوزارة غافلة عن مفتاح الحل الحقيقي وهو المعلم فلا تلتفت له ولا تطور أداءه ولا تعطيه ما يستحقه من رواتب وعلاوات وميزات وتدريب وتثقيف ومساندة نفسية واجتماعية ، وهنا أرجو من كل مسئول أن يقرأ كتاب "أطعموا المعلمين قبل أن يأكلوا الطلاب" وأبشر المسئولين أن الكتاب لا يركز على البند المالي -الذي يعرقل كثيرا من الخطط الطموحة -وإنما يعتني بفنون الإدارة الفعالة وسبل تنمية أداء المعلمين .
-وهل من الجودة أن تحدث ظاهرة العزوف عن إدارات المدارس من قبل المديرين والوكلاء منذ سنين طوال تحت سمع الوزارة وبصرها دون عمل حقيقي لوقف هذا النزيف الإداري؟ ما أدى إلى وجود كفاءات ضعيفة تتولى إدارات المدارس نظرا لعزوف المتميزين.
-وهل من الجودة أن تحاول إدارات التربية والتعليم أن ترمي مسئولياتها وأعمالها المطلوبة منها باستمرار على إدارات المدارس؟وتتخلص من أكثر مهامها التي تحيلها إلى العاملين في المدارس؟
-وهل من الجودة أن يبقى عمل مدير المدرسة ومن خلفه المشرف التربوي والمعلمين ومكاتب التربية مجرد ملاحقة الطوارئ ، فهم ينتظرون كل طارئ ليعالجوه وينشغلون بالتعاميم عن العمل المخطط له والمدروس الذي يفترض أن يمارسوه؟
-وهل من الجودة أن تبقى النماذج الهندسية لبناء المدارس تقع في أخطاء متكررة هندسياً مع مجرد تغييرات شكلية بسيطة هنا وهناك؟ ومتى يتم إشراك المديرين والمشرفين والمعلمين والطلاب في وضع تصورات المخططات الهندسية الذين هم أعرف الناس بحاجاتهم اليومية التي يجب توافرها في المبنى المدرسي.
-وهل من الجودة أن تكون المباني الحديثة مكونة من ثلاثة وأربعة أدوار بسلمين فقط ! فكيف يمكن إخلاء أكثر من خمسمائة طالب في حال حدوث كارثة في المبنى؟ أم أننا سننتظر حدوث كوارث لنقتنع بضرورة التغيير؟
-وهل من الجودة أن تبقى الوزارة بدون آلية واضحة وحاسمة ومفعلة لعقوبة المفسدين في التعليم سواء كان فسادهم ماليا أو أخلاقياً؟ وبماذا نفسر بقاء من اشتهر استغلاله لمنصبه مع ثبوت ذلك عنه؟وكيف نفسر بقاء بعض المعلمين الذين ارتكبوا أفعالا غير أخلاقية مع الطلاب في حقل التعليم؟وكيف يؤتمن أمثال هؤلاء وإلى متى؟وهل التعليم العام في مثل هذه الحالات نوع من الضمان الاجتماعي؟
-وهل من الجودة في التعليم أن نسعى دائما للبحث عن حلول مشكلاتنا التعليمية والتربوية في الخارج و إلى متى نغفل عن أولئك الذين شابت رؤوسهم في الميدان ولهم محاولات جادة في البحث والعلاج وكلهم يملك تصوراً واضحا لما يدور في الميدان سواء من منسوبي الوزارة بجميع مواقعهم أو الأكاديميين في جامعاتنا المحلية؟
وقد كنت كتبت ورقة عمل بعنوان تعليمنا إلى أين؟ ذكرت فيها أن من أهم مشكلاتنا التربوية أن من يملك القرار لا يملك تصورا واضحا عن الميدان،ومن يملك التصور الواضح ليس بيده أي قرار لنبقى ندور مع وزارتنا في حلقة مفرغة من السير في نفس الخطى لنعود إلى المربع الأول في كل مرة من بحثنا عن الحل.
ولعل ذلك ناتج عن مشكلة من أهم مشكلاتنا التي تعيق تطوير الميدان التربوي وهي مشكلة الهرم المقلوب التي يئن منها الميدان والتي تتمثل في أن وزارة التربية بتسلسلها الهرمي يجب أن تكون كلها مسخرة لخدمة الطالب ، فالوزارة بجميع وكالاتها وإداراتها يخدمون إدارات التعليم وإدارات التعليم بجميع أقسامها تخدم مدير المدرسة ومدير المدرسة بدوره يخدم المعلمين الذين واجبهم خدمة الطلاب ، ويجب أن يكون التخطيط والميزانية والبرامج كلها تصب في هذا الهدف.
فهل هذا الواقع؟ بالطبع لا.إن الواقع أن الهرم مقلوب لينتج عنه أن يقوم الطالب بخدمة المعلم الذي يخدم مدير المدرسة والذي بدوره يقدم جل أنشطته وخدماته لخدمة إدارة التعليم التي كل أنشطتها أصلا لخدمة الوزارة وكل ذلك وفق النظام !.
في الواقع إن لدينا مشكلات كثيرة ناتجة عن بعضها البعض ومتداخلة مع مشكلات اجتماعية أخرى ،و كثير من المسئولين مع الأسف مشغولون عنها بقضايا يرون أنها أهم ؛ لكن واقع حالهم كمن لديه أبناء كثيرون يهتم بأحدهم على حساب الباقين وهذا مما يدخله في الجور ويبعده عن العدل.
وقد حاولت أن أساهم في علاج مثل هذه القضايا المتداخلة والشائكة عبر اقتراح هو أصلاً حلم وردي جميل حلمته ذات يوم وكتبته بعنوان"بنك الخبرات التربوية" وقد نشر في الاقتصادية وبعض المواقع الأخرى كالألوكة ؛ كما طرحته في بعض ملتقيات الجودة رغبة مني في الاتجاه نحو الحلول فقد تعبنا من عرض المشكلات وعقد المؤتمرات وآن لنا أن نعمل بجد ولنبدأ الخطوة الأولى لا أقول في تطوير التعليم و لا حتى إصلاح التعليم بل قد أكون أكثر جرأة وصراحة إذا قلت "إنقاذ التعليم".
نقل لي بعض الإخوة أن أحد مديري مكاتب التربية اجتمع مع مدير تعليم إحدى المناطق فتحدث مدير التعليم عن الجودة وعن طرق اليابانيين في تطبيق الجودة وأكثر في الكلام وبعد أن انتهى قال مدير مكتب التربية ياسعادة المدير أنا لا أعرف التجربة التي تتحدث عنها ولم يسبق لي زيارة اليابان ولكني أقول بكل ثقة:إن الميدان التربوي يحتضر فساعدنا على علاجه.
اللهم وفقنا وإخوتنا في وزارة التربية لما فيه صلاح التعليم فنحن لا نشك في نوايا أحد ونعلم أن الجميع حريص على أبنائنا ومجتمعنا ولكن ما كل مريد للحق يصيبه ولكل مجتهد أجر وإن أخطأ ؛ اللهم فسددنا على الحق وأهدنا له وإخواننا أجمعين.
كتبه/أبو بكر خالد بن محمد الشهري
KMYS99@YAHOO.COM
0 التعليقات :
إرسال تعليق