هل انحرف قطار التربية عن مساره؟

الجمعة، 10 يونيو 2011


تعد وزارة التربية والتعليم أكبر الوزارات من حيث الأهمية والتبعات والارتباط بجميع فئات المجتمع وميزانيتها وحدها تحتل جزءاً كبيراً بين الوزارات الأخرى.وارتباط جميع أفراد المجتمع بها وثيق سواء أكانوا طلاباً أو أولياء أمور أو عاملين فيها وبنجاحها ينهض المجتمع كله ، وفي حال تعثرها فإن المجتمع كله يتعثر معها.
ولو أردنا أن نشبه هموم وزارة التربية والتعليم وأعباءها لكانت أشبه بقطار يجر عربات كل عربة تحمل ملفاً من ملفات التربية والتعليم وعربة القيادة تحمل أولئك القادة الذين يقودون قطار التربية والتعليم ويجرون خلفهم جميع ملفات التربية والتعليم وصياغة مستقبل البلاد القيمي والأخلاقي والسلوكي كما يحملون معهم جميع أبنائنا وبناتنا الذين يستقلون قطار التعليم العام لينقلهم إلى غدهم الذي نرجو جميعاً أن يكون مشرقاً  لنحتل مكاناً يليق بطموحاتنا في مجتمع المعرفة.
لكن مع هذه الأهمية التي يمثلها قطار التربية والتعليم وكثرة العربات المرتبطة به نرى اضطرابا في الرؤية في عربة القيادة ، مما جعلهم يخرجون بالقطار عن مساره كما أوقفوا الكثير من العربات التي يجرونها على أهميتها وركنوها في أول محطة قابلوها ليجروا عربات أخرى غير ذات أهمية !.
وخذ على السبيل المثال أهم القضايا التي تطرحها الوزارة وتخوضها إعلامياً في الفترة الأخيرة لتجد أنها كانت في غنى عن زيادة أعباءها وتكثير همومها، فمن هذه القضايا تعليم اللغة الانجليزية في الصف الرابع الابتدائي وما تشكله هذه القضية من إضافة مشكلات وأعباء مالية وإدارية وتربوية مع عدم وجود أي جدوى ، وهذا الرأي مما تناوله بالتمحيص والنقد تربويون ذوي خبرة ودراية بالميدان التربوي ولهم تاريخ فيه ومن أولئك الدكتور عبدالعزيز الثنيان وكيل الوزارة السابق في مقاله (اللغة والهدر المالي) المنشور في جريدة الرياض ، ومنهم الدكتور راشد العبدالكريم وهو أكاديمي ومسئول سابق في الوزارة في مقاله (اللغة الانكليزية في الابتدائي عبء تربوي) المنشور في صحيفة الحياة ،والدكتور عبدالله المعيلي مدير تعليم الرياض السابق في مقاله( تدريس الانجليزية لماذا العجلة؟ )المنشور في جريدة الرياض.
وحينما تقرأ لهؤلاء ستعرف لماذا يُصرّ التربويين العاملين في الميدان على عدم توفيق الوزارة عند اتخاذ هذا القرار وأمثاله من القرارات غير التربوية المتعجلة والتي ستجرّ على الميدان مشكلات كثيرة ستزيد وضع التعليم تعقيداً أكثر مما هو عليه الآن.وليس غريباً أن الوزارة غصت بهذا القرار بعد صدوره مباشرة حينما عرفت عجزها عن تطبيقه ليصدر أحد مسئوليها الكبار تصريحاً بأن هذا سيطبق في المدن الكبار أولاً في تهميش واضح للجزء الأكبر من المجتمع القاطن في الأطراف !.
ولو حاولت أن تلقي نظرة على اهتمامات الوزارة الحالية لوجدت من بينها  تعميم الرياضة في مدارس البنات ولتتعجب كيف يمكن أن تنجح الوزارة في هذا مع أن الرياضة في مدارس البنين لازالت متأخرة وتعاني فقر الدم منذ أمد بعيد ولا تتعدى الشكل دون وجود أثر حقيقي على الطلاب الذكور الممتلئة بهم مدارس البنين والذين يكاد الكثير منهم يتدحرج بسبب السمنة ومع ذلك فالوزارة إنما تستشعر مشكلة سمنة الطالبات فقط.
ثم انظر مرة أخرى إلى اهتمام الوزارة بتوفير الدراسة لمن هم في سن الخامسة والنصف مع مخالفة ذلك للدراسات التربوية التي تحذر من ذلك بسبب أثره السلبي على الطلاب الصغار، كما أن مثل هذا القرار ينطوي على محاذير ذكرها بعض الخبراء التربويين من انعدام العدالة بين أبناء المجتمع وتمييز أبناء الأغنياء الذين يستطيعون إدخال أبنائهم للروضة والتمهيدي فيما لا يستطيع ذلك عامة الشعب.
ثم لنعد مرة أخرى لمشهد اهتمامات الوزارة الساعية في دمج تعليم البنين والبنات على مستوى الإدارات والقيادات العليا ابتداء ومحاولة تعميم ذلك على الميدان والإكثار من الملتقيات التي تحاول كسر حاجز الفصل بين تعليم البنين والبنات ولو لم يكن لها جدوى تربوية وكأنها تقول المهم تطبيع الاختلاط !.
ولنعد مرة أخرى إلى قطارنا الذي ركن العربات التي كان يفترض أن يعتني بجرها إلى مشارف العالم الأول حينما تشاغل بهذه العربات الجديدة التي تزيد العبء عليه دونما فوائد تذكر إلا حاجة في نفس أهل العربة الأولى.
ونحن من باب الحرص على توضيح الصورة لقادة القطار سنذكرهم ببعض الملفات المهمة المتعلقة بعملهم والتي تحتاج منهم إلى جهود ضخمة وسنوات طوال وخطط قصيرة وطويلة المدى وهي مما يشكل العربات المهمة التي يجب أن يعتني قادة القطار بالمحافظة عليها أثناء سيره فمنها:
1-العمل على حل أزمة الثقة بين الوزارة وبين منسوبيها وبينها وبين المجتمع.حيث تكاد هذه من أهم مشكلات الوزارة الحالية.
2-العناية بتدريب وتأهيل المعلمين عبر خطة طويلة المدى ووضع برنامج تدريبي مقنن يلزم به المعلم ويشعر بجدواه ويتناسب مع حاجات النمو المهني.
3-العناية بجانب الأمان الوظيفي وتوفيره للعاملين في التعليم حتى يرتقي أدائهم.
4-إعادة النظر في النقل المدرسي فليس من المعقول أن تصرف له هذه الميزانية الطائلة ثم لا يستفيد منه إلا القلة وبطريقة غير مفهومة ولا خطط واضحة.
5- المقاصف المدرسية تبيع المرض من خلال وجباتها السيئة على الطلاب بطريقة نظامية جداً.كما أنها تتسبب في انحراف سلوك الطلاب حينما تضطرهم لتأمين وجباتهم من خلال التحايل على النظام والقفز فوق الأسوار واسألوا المدارس الثانوية .
6-العناية بشكل أفضل بالمباني المدرسية وضبط وترشيد صيانتها ،ونظرة عابرة فقط على دورات المياه -أجلكم الله- في مدارسنا يكتشف منها الزائر كيف يمكن أن تكون وسيلة تعذيب مؤثرة في حياة الطلاب اليومية .
يبدو لي أن هذه الموضوعات تحتاج من الوزارة إلى سنوات من العمل المنظم والمرهق حتى تحلها وذلك بسبب ضخامة قطاع التعليم العام وامتداده على ما يشبه القارة في بلادنا الغالية ، ولو شئتم لزدت عربات أخرى تنوء بملفات مهمة في كل مجالات عمل الوزارة تحتاج أن تحيط بها يد الإصلاح ضمن خطط الوزارة وجهودها، ولعلمي- علم اليقين - حرص قادة القطار على أن يصلوا بتعليمنا إلى برّ الأمان ولا أشك في محبتهم الخير ولكنهم مع ذلك ربما يكونون قد أخطئوا الطريق أو استعجلوا في وضع خططهم وهم مع ذلك يعلمون أن الرجوع إلى الحق فضيلة عظمى وهو خير من التمادي في الباطل، ونحن نأمل أن يكون قصدهم الخير للمجتمع حافزاً لهم لتصحيح الوضع وردّ قطار التربية والتعليم إلى مساره،نسأل الله لهم التوفيق في مهمتهم وأمانتهم العظمى.
كتبه أبو بكر بن محمد
5/7/1432هـ

0 التعليقات :

إرسال تعليق

 
بوح قلمي ،،، أبو بكر بن محمد | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .