صدق من قال:
"يظل الرجل طفلاً حتى تموت أمه"
وما أقسى أن تُطالب بالرجولة طفلاً
هذا حال من يفقد أمه..
لا تصدق أن شيئا يمكن أن يعوض فقد الأم..
هنا بعض ذكرياتي مع أمي
كانت رحمها الله صينة دينة وتقوم بإدارة بيتها مع غياب أبي الكثير عن البيت دون تأفف.
تكرم جاراتها ويحببنها وكانت بمثابة أمهن
..أتذكر أنه أول ما افتتحت مدارس مكافحة الأمية سارعت أمي للالتحاق بها وحصلت على الابتدائية في أربع سنوات وأصبحت تتقن القراءة والكتابة لتشبع حرصها على الثقافة التي كانت مقتصرة على المذياع يوم كانت الإذاعات تقدم مادة ذات قيمة
ومن العجيب أن أمي تلك التي كانت راعية غنم أصبحت مرجعًا دينيًا بعدما تفقهت وتعلمت وأصبحت مصلحة إجتماعية ومثقفة لحديثات الزواج.
وكانت تقوم بتقديم دورات لحديثات الزواج وتعلمهن حسن التبعل لأزواجهن وكنا في المنطقة الشرقية حيث الجميع مغتربات.. والجزاء من جنس العمل حيث ماتت ولم تزوج ابنتيها لأنهما كانتا صغيرتين عند وفاتها
فهيأ الله لهما حياة زوجية مطمئنة بفضله ومنّه..
وقد كانت تتقن بعض العلاج الشعبي مثل الترفيع للأطفال المواليد وكانت تستقبلهم في أي وقت دون مقابل بل كانت تضيف من يزورها..
وكانت الحياة الاجتماعية في ذلك الوقت مع قلة ذات اليد وفقر الناس وعدم وجود ثروة وكان مألوفًا في كل قبيلة أن يكون هنالك بيت بمثابة الملفى الذي يتواصى الباحثون عن الوظائف والمسترفدون من أبناء القبيلة على بُعد أنسابهم أن يلفوا إليه.. فلم تكن تتأفف من كثرة الزوار والضيوف لاسيما في وقت لم تكن هنالك مطاعم ولم يكن دخل الناس يسمح لهم بالسكن في الفنادق..
وكانت تحرص على أن لا تخل بشيء من واجباتها في تربية أبناءها وإدارة بيتها وميزاتيته المحدودة مع كثرة الزوار والضيوف الباحثين عن فرص للعمل في المدينة..ولم يكن لها خادمة ولا مساعدة سوى ماكان مألوفًا في ذلك الوقت من تكاتف الجارات والقريبات..
لما تزوج أبي زوجته الثانية استأجر لها شقة أخرى بعيدة عن المنزل ولما رأت أمي أن ذلك أزعجه طلبت أن ينقل عروسه إلى بيتها
منذ عرفت نفسي لم أسمع أبي ينادي أمي إلا بكنيتها أم علي.. وإذا فعلت شيئًا في غيابه لم يسمح لأحد أن يغيره بدون إذنها
لم يحدث أن تناقش والداي في شيء أمامنا أو أمام أحدٍ أبدًا..كانا يخفيان اختلافهما سرًا..حتى كنت أستغرب كيف يختلف الأزواج!!
دخلت المنزل بعد أسبوع من وفاتها حين عدت من المدرسة فناديت أمي!!
وأنتظر ردها كعادتي فصفعني الصمت والظلام يذكراني بالفراق!!
كانت في آخر أسبوع توصيني كالمودعة وكأنها تشعر بقرب أجلها!!
ربما رأت رؤيا!!
وكانت توصيني بإخوتي الصغار رحمها الله
لولا أمل اللقاء عند الكريم الرحيم
لتفتت كبود المحبين
وعزاءنا دعاء الصالحين وأنها لم تذكر أحدا بسوء
حديثنا ليس بكائيات وإنما هو جزء من الثناء على أحق من أثنينا عليه..
كم إنسان شكرناه ودعونا له..
أمي أوجب حقًا وأفضل فضلاً.
وَطنُ النُجومِ أنا هُنا ..... حدِّق أَتَذكُرُ من أَنا
أنا ذلِك الولَدُ الَّذي ..... دُنياهُ كانَت ههُنا
شكرا لإيليا أبو ماضي هذا التعبير الدقيق لما في نفسي...
كتبه
خالد بن محمد الشهري
0 التعليقات :
إرسال تعليق