قواعد في توجيه وإرشاد الشباب
يعاني العديدُ من شبابِنا اليوم من مشكلاتٍ كثيرة، ومع أن المشكلة قائمة بالدرجة الأولى على طبيعة الحياة المدنية المعاصرة، التي تقوم في جانبٍ كبير منها على إفرازات العولمة، وعلى قضايا الصراع الحضاري والمدافعة بين الأمم - فإننا لا بد من أن نسهم على المستوى الفردي، سواء كنا مختصين في علم النفس من خلال التوجيه والإرشاد، أم مربِّين من خلال التنشئة الاجتماعية والقدوة الحسنة؛ لنساعد في تجاوز أبنائنا تلك المشكلات، التي قد يعاني منها بعض الشباب، وقد تتطور عند بعضهم لتصبح سببًا في المرض النفسي.
وحتى نسهم في استقرار الشباب النفسي في وقت مبكر، ولنجنبهم تجارب المحاولة والخطأ التي ربما يمرُّ بها بعضهم، وتعد هذه من أولويات مهام التوجيه والإرشاد النفسي التي نهتم بها كمختصين في الجانب الوقائي، قبل أن نحتاج إلى الجانب العلاجي، وَدِرْهَمُ وقايةٍ خيرٌ من قنطارِ علاجٍ، ولنركز في توجيه الشباب وتعليم الأسر وتثقيفهم على العناية بالجوانب التالية، بشكل مستمر، من خلال ممارستهم لعملية التنشئة لأبنائهم:
1- اعرف نفسَك جيدًا: ذلك بمساعدة الشاب لمعرفة نفسه والاستبصار فيها، ولعل هذه أولى دعائم الصحة النفسية، قال تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]، ونحن من خلال ممارساتِنا في التوجيه والإرشاد، نجد كثيرًا من المشكلات التي يعاني منها كثيرٌ من الناس - إنما تأتي من جهلهم بحقيقتِهم وحقيقة الآخرين، وكثيرٌ من المشكلات النفسية لدى الناشئة تعبِّر عن ذوبانٍ تامٍّ في الآخرين، أو رفضٍ تام لهم.
2- كن أنت نفسَك، ولا تقلِّدْ غيرَك، وركزْ على جوانب قوتك، فأنت لم تُخلق عبثًا، ولا لتكون صورةً من إنسان آخر، وإنما أعطاك ما أعطى الآخرين من مواهب؛ لتبني ملامح شخصية مستقلة ومفيدة، وتذكَّر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللَّهِ منَ المؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ، احرِص على ما ينفعُكَ، واستَعِنْ باللَّهِ ولا تَعجِزْ، وإن أصابَكَ شيءٌ، فلا تقُل: لو أني فعلتُ كان كذا وَكَذا، ولَكِن قل: قدَرُ اللَّهِ، وما شاءَ فعلَ، فإنَّ "لو" تَفتحُ عملَ الشَّيطانِ))؛ رواه مسلم.
3- اشتركْ في أنشطة اجتماعية مفيدة، وأَسْهِمْ في الأعمالِ التطوعيةِ؛ لتكتسب ثقة بنفسك، ولتشعر بأن لك قيمةً في الحياة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفعُهُمْ للناس، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ تُدخِلُهُ على مُسلِمٍ، أو تَكشِفُ عنهُ كُربةً، أو تَقضِي عنهُ دَيْنًا، أو تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولَأَنْ أمْشِيَ مع أخِي المسلمِ في حاجةٍ أحَبُّ إليَّ من أنْ أعتكِفَ في المسجدِ شهْرًا، ومَنْ كفَّ غضَبَهُ، سَتَرَ اللهُ عوْرَتَهُ، ومَنْ كظَمَ غيْظًا، ولوْ شاءَ أنْ يُمضِيَهُ أمْضَاهُ، مَلأَ اللهُ قلْبَهُ رضًا يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أخيهِ المسلمِ في حاجَتِه حتى يُثْبِتَها لهُ، أثْبتَ اللهُ تعالَى قدَمَه يومَ تَزِلُّ الأقْدامُ، وإنَّ سُوءَ الخُلُقِ لَيُفسِدُ العملَ، كَما يُفسِدُ الخَلُّ العَسَلَ))؛ صحيح الجامع.
ومما يتفق عليه المختصون النفسيون أن من أهم العوامل المساعدة في علاج عدد من المشكلات النفسية - المشاركةَ في الأعمال التطوعية، التي تحدد لها أنشطة وساعات ضمن خطة العلاج النفسي، التي تصمم لعددٍ من أنواع العلاج النفسي في بعض الحالات.
4- وجود الأصدقاء مهم، ونوعيتهم أهم، وطريقة انتقائك لهم ستحدد مصيرك في الدنيا والآخرة؛ فَمَنْ صاحبَ الناجحين نجح، ومن صاحب المدمنين أدمن، قال تعالى في وصفٍ لمشهد الأصدقاء السيئين في الآخرة:﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 - 299].
ومن الأصدقاء الجدد في عصر العولمة أولئك الأصدقاءُ الافتراضيون الذين يصاحبهم الشاب أوقاتًا طويلة من خلال وسائل الإعلام وقنوات البث الفضائي، ومن خلال الشبكة العنكبوتية، والذين يوجهون سلوكه، ويصوغون هويته بقوة أكثرَ تأثيرًا من أسرته ومدرسته، ويصدق عليهم وصفُ "الخليل" الذي نبَّهنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم: ((المرءُ على دينِ خليلهِ، فلينظُرْ أحدُكُم من يُخالِل))؛ البغوي في شرح السنة.
ويشهد لهذا سلوكُ الشباب التكفيريين في الآونة الأخيرة، الذين يُعرفون بالداعشيين، وقل مثل ذلك في الملحدين، فهنالك عددٌ كبيرٌ منهم تم تجنيدهم وتغيير قناعاتهم من خلال برامج التواصل الإلكتروني والشبكة العنكبوتية، وربما كان جزءًا من علاج مشكلتهم في الخطوة التالية.
5- تعلُّم التفكر وممارسته دائمًا يساعد الشاب على تجاوز أزماته؛ فالتفكر من العبادات التي تساعد الإنسان في نموِّه الخلقي، وتصحيح أفكاره واتجاهاته ومساره، وهي من الصفات التي مدحَها اللهُ سبحانه وتعالى، وتعدُّ من أَجَلِّ العبادات؛ لما تحققه من كمال الإيمان بالله تبارك وتعالى، كما قال عز وجلَّ: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 1911]، ومن صفات النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان كثيرَ الصمت، دائمَ الفكر، والتفكر يعطي الشاب ما يشبه "جرد حساب"؛ ليعيد تأمُّل سلوكه وتصرفاته، ويعيد تنظيم بنائه المعرفي مرةً بعد أخرى، وكثيرًا ما يُستخدم هذا الأسلوبُ من خلال العلاج السلوكي المعرفي.
6- المحافظة على الحياة المتوازنة: من خصائصِ الشبابِ الحماسُ وسرعة الاندفاع، فإذا أحب شيئًا صرف كلَّ وقته وجهده فيه؛ مما قد يسبب له ارتباكًا ينتج عنه خلل في جوانب حياته الأخرى، فلا بد هنا من أن يتعلم الشاب كيف يوازن بين حاجاته وإمكاناته، وبين طموحاته وواقعه، كما ينبغي أن يعتني بنمط حياة صحي، ينظم فيه نوع غذائه وأنشطته البدنية، وهواياته وواجباته المتوقَّعة منه؛ ونحتاج إلى تدريب مستمر لاكتساب التوازن في حياتنا من خلال التخطيط والتدريب، وقد جاء في الحديث: ((إِنَّ المُنْبَتَّ لا ظَهْرًا أَبْقَى، ولا أَرْضًا قَطَع))، والمنبت: المندفع المستعجل.
7- تعلم حل المشكلات بطريقة صحيحة: فالأسلوب العلمي لحلِّ المشكلات هو الأسلوب الوحيد لحلها حلًّا واقعيًّا سليمًا؛ لأنه أسلوبٌ يقتضي الروية والتفكير، والنظر إلى المشكلة من جميع نواحيها السارة وغير السارة، ووزنها وتحليلها، هذا إلى أنه أسلوب موضوعي، يتطلب أن يسترشد الإنسان أولًا بالواقع والمشاهدات الموضوعية، لا بحالته الذاتية ومخاوفه وشكوكه.
أما الأسلوب غير العلمي، فقد يخفي المشكلة في الظاهر لتعود شرًّا مما كانت عليه، أو لتتمخض عن مشكلات أخرى؛ لذا حاول أن تحسم مشكلاتك فور ظهورها.
8- أتقن عملك: من سمات الشبابِ تشتتُ أفكارِهم، وضياعُ جهودِهم دونَ إنجازٍ حقيقي، فلا تحاول إنجازَ ثلاثةِ أمورٍ في وقت واحد؛ لأن هذا يعني قصورَك عن إتقان أي واحد منها، ولو كان شعارُك: "الكيف قبل الكم"، لكان خيرًا وأبقى؛ ففي الإتقان أمانة وشعور بالنجاح والفوز، وهذا أفضل سبيل إلى زيادة الثقة بالنفس، والإتقان لا يعني الإسراف في العمل؛ حتى لا يتحول إلى حيلة دفاعية للتخلص من القلق.
9- ركز جهودَك في الحاضر، ولا تكثر من التحسر على الماضي، ولا التوجس مما هو آتٍ؛ لأن الوقوع في شَرَكِ الحزن على الماضي يسوق إلى الاكتئاب، والوقوع في التوجس من المستقبل يقود إلى القلق، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الهمِّ والحَزَنِ... )؛ رواه البخاري.
10- تعلم الاستفادة مِنْ خبراتِ مَنْ سبقَكَ: وذلك من خلال تدريب الشباب وتلقينهم على الاستفادة من تجارب من سبقهم؛ حتى لا يكرروا أخطاءهم، ويجب أن يعرف الشاب أن من أهم ميزات الإنسان أن يتعلم من خبرات من سبقه، ويتجنب أسلوبَ المحاولة والخطأ الذي يقوده في كثير من الأحيان إلى تجارب مؤلمة تبقى معه طَوالَ حياته.
كتبه
خالد بن محمد الشهري
0 التعليقات :
إرسال تعليق