النصارى وعلاقتهم باليهودية والإسلام
1- نبذة تاريخية عن انحرافهم العقائدي:
إن النصارى - كما هو معروف - هم أتباع عيسى عليه السلام الذي بعثه الله عز وجل متمِّمًا لشريعة موسى عليه السلام ومصححًا لِما وقع فيه اليهود من انحرافات جعلتهم من عبَّاد المادة؛ ولذلك كان عيسى عليه السلام مؤيدًا بمعجزات لا ترتبط فيها الأسباب بالمسببات، وأعظم هذه المعجزات هو خلقه من أم دون أب؛ وذلك لأن اليهود أُغرقوا في الماديات، وكان مما أعطاه الله لعيسى من المعجزات إبراء الأكمه والأبرص والأعمى بمجرد مسحه بيده؛ فيشفي الله عز وجل من كان مصابًا بهذه الأمراض على يده.
وقد قدمنا أن بني إسرائيل انقسموا منذ مبعث عيسى عليه السلام إليهم إلى ثلاث فرق:
1- فرقة كفرت به وهم اليهود.
2- وفرقة آمنت به وهم الحواريون؛ كما قال تعالى: ﴿ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ﴾ [الصف: 14].
3- وفرقة غلت فيه فقالوا: إنه ابن الله، وهذه الفرقة متأخرة في الزمان عن السابقتين.
وكان الرومان وقت مبعث عيسى عليه السلام يحكمون الأرض المباركة فتعرض النصارى لحملات اضطهاد واسعة حتى كان القرن الثالث الميلادي، وفيه اعتنق الإمبراطور النصرانية وقد كان الرومان قبل ذلك وثنيين؛ فمزجوا الوثنية بدين المسيح، حتى إن الوثنية طغت على دين عيسى عليه السلام، ويصور هذا قول القاضي عبد الجبار الهمذاني: "إن الروم ما تنصرت ولا أجابت المسيح، بل النصارى ترومت وارتدت عن دين المسيح، وعطلت أصوله وفروعه وصارت إلى ديانة أعدائه"[1].
وقبل أن تتنصر الإمبراطورية الرومانية كان الكثير من النصارى قد شُرِّدوا حتى اتخذ فريق منهم الأديرة والملاجئ في أطراف الأرض؛ فرارًا من العذاب الذي صبه الرومان على النصارى.
وكان من آثار دخول الرومان في النصرانية ما ذكره داربر الأمريكي في كتابه "الدين والعلم": "دخلت الوثنية والشرك في النصرانية بتأثير المنافقين الذين تقلدوا وظائف خطيرة ومناصب عالية في الدولة الرومية بتظاهرهم بالنصرانية ولم يكونوا يحفلون بأمر الدين ولم يخلصوا له يومًا من الأيام"[2].
بولس والنصرانية:
إضافة إلى هذا، فقد كان أحد اليهود في القرن الرابع الميلادي ويسمى "بولس" دخل النصرانية ليفسدها، وقد تم له ما أراد؛ حيث أصبحت الأفكار التي دسها من أهم عقائد النصارى، تمامًا كما صنع عبدالله بن سبأ (ابن السوداء) مع المسلمين؛ وفي هذا يقول رينان الفيلسوف الفرنسي: "إنه ينبغي لفهم تعليم يسوع المسيح الحقيقي كما كان يفهمه هو أن نبحث في تلك التفاسير والشروح الكاذبة التي شوهت وجه التعليم المسيحي حتى أخفته عن الأبصار تحت طبقة كثيفة من الظلام، ويرجع بحثنا إلى أيام بولس الذي لم يفهم تعليم المسيح، بل حمله على محمل آخر، ثم مزجه بكثير من تقاليد الفريسيين وتعاليم العهد القديم، وبولس كما لا يخفى كان رسولًا للأمم، أو رسول الجدال والمنازعات الدينية، وكان يميل إلى المظاهر الخارجية الدينية وغيره، فأدخل هذه على الدين المسيحي فأفسده، ومن عهد بولس ظهر التلمود المعروف بتعاليم الكنائس، وأما تعليم المسيح الأصلي الحقيقي فخسر صفته الإلهية الكمالية، بل أصبح إحدى حلقات سلسلة الوحي التي أولها منذ ابتداء العالم وآخرها في عصرنا الحالي، والمستمسكة بها جميع الكنائس، وإن أولئك الشُّراح والمفسرين يدعون المسيح إلهًا دون أن يقيموا على ذلك الحجة، ويستندون في دعواهم على أقوال وردت في خمسة أسفار: موسى والزبور، وأعمال الرسل ورسائلهم، وتأليف آباء الكنيسة، مع أن تلك الأقوال لا تدل أقل دلالة على أن المسيح هو الله"[3].
وعن دور بولس في تحريف النصرانية وإفسادها يقول المؤرخ الإنجليزي ويلز: "وظهر للوقت معلم آخر عظيم يعده كثير من الثقات العصريين المؤسس الحقيقيَّ للمسيحية؛ وهو شاول الطرسوسي أو بولس، والراجح أنه كان يهودي المولد، وإن كان بعض الكتاب اليهود ينكرون ذلك، ولا مراء في أنه تعلم على يد أساتذة من اليهود، بيد أنه كان متبحرًا في لاهوتيات الإسكندرية الهلينية، وهو متأثر بطرائق التعبير الفلسفي للمدارس الهلنستية، وبأساليب الرواقيين، كان صاحب نظرية دينية ومعلمًا يعلم الناس، قبل أن يسمع بيسوع الناصري بزمن طويل، ومن الراجح جدًّا أنه تأثر بالميثرائية، ويتضح لكل من يقرأ رسائله المتنوعة جنبًا إلى جنب مع الأناجيل أن ذهنه كان مُشبعًا بفكرة لا تظهر قط بارزة قوية فيما نقل عن يسوع من أقوال وتعليم؛ ألَا وهي فكرة الشخص الضحية الذي يُقدَّم قربانًا لله كفارة عن الخطيئة، فما بشر به يسوع كان ميلادًا جديدًا لروح الإنسانية، أما ما علمه بولس فهو الديانة القديمة، ديانة الكاهن والمذبح وسفك الدماء لاسترضاء الإله"[4].
فها هم مؤرخو النصارى أنفسهم يثبتون دور بولس في إفساد دينهم.
ولم يكن ما أدخله بولس في دين النصارى من عقائد هو الانحراف الوحيد في دينهم، رغم أنه أدخل الوثنية وتعدد الآلهة، بل إن النصارى دخل في دينهم من الفلسفات الوثنية السابقة لهم الكثير من العقائد؛ مثل: الهندوسية التي تعتقد بالتثليث والأقانيم والصلب للتكفير عن الخطيئة والرهبنة.
والبوذية كذلك لم تكن بخيلة معهم، فقد انتقل منها بعض الاعتقادات إلى النصرانية؛ مثل: التطابق بين شخصية بوذا وبين شخصية المسيح عليه السلام، وكذلك عقيدة البابليين القديمة خالطت النصرانية؛ إذ إن هناك محاكمةً لبعل إله الشمس تماثل محاكمة المسيح عليه السلام.
أصبحت النصرانية مشيجًا عجيبًا من ديانات مختلفة؛ منها ما هو سماوي كاليهودية في بعض العقائد، ومنها النصراني، ومنها الوثني الذي كان سائدًا في العصور السابقة والمعاصرة لظهور النصرانية، ولكن السبب الأهم في هذا الانحراف هو التدخل اليهودي التخريبي من قبل بولس وغيره من اليهود الذين تظاهروا بالدخول في دين النصارى بهدف إفساده من الداخل، وهذا الدور اليهودي نلاحظ أنه تكرر أيضًا في محاولة إفساد الإسلام على يد ابن السوداء عبدالله بن سبأ اليهودي؛ الذي تظاهر بالدخول في الإسلام على عهد عثمان رضي الله عنه، وقام بدور كبير في إحداث الفتنة التي نتج عنها مقتل عثمان مظلومًا رضي الله عنه، كما نتج عنها ظهور التشيع والغلو في آل البيت وتأليه عليٍّ رضي الله عنه، وهو نفس الدور الذي قام به بولس اليهودي من تأليه عيسى عليه السلام، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا.
وكما تدخل اليهود في إفساد دين عيسى عليه السلام، فقد حرضوا عليه الحاكم الروماني الذي أمر بقتله بسبب مؤامرة اليهود، فلما ذهبوا ليأخذوا عيسى عليه السلام، ألقى الله شبهه على يهوذا الإسخريوطي الذي دل على مكان عيسى عليه السلام، فقتلوه وصلبوه وهم يظنون أنه عيسى.
وأما عيسى عليه السلام، فإن الله عز وجل رفعه إليه وسينزل آخر الزمان؛ ((فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويحكم بالإسلام))؛ كما جاء في الأحاديث الصحيحة، وأنه يقتل المسيح الدجال؛ قال الله تعالى عن عيسى: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ﴾ [النساء: 157]، وقال عز من قائل: ﴿ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ [النساء: 158].
2- انحراف النصارى العقدي:
دعواهم بأن الآلهة ثلاثة رد عليهم الله ذلك في كتابه الحكيم؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ﴾ [المائدة: 73].
دعواهم بأن المسيح ادَّعى الألوهية لنفسه نفاها الله عنه؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المائدة: 116، 117].
فأنت هنا ترى كيف تنقصوا الله عز وجل إذ نسبوا إليه الولد فقالوا عن عيسى: إنه ابن الله.
قال تعالى: ﴿ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ [مريم: 89 - 93].
وقال تعالى: ﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [البقرة: 117].
وهم في نفس هذه الدعوى التي تنقصوا جانب الله فيها قد انتقصوا مقام عيسى عليه السلام؛ حيث غلوا فيه، وقالوا فيه ما لم يدَّعيه لنفسه؛ قال تعالى عن عيسى: ﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ﴾ [المائدة: 117].
وقال تعالى: ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ﴾ [المائدة: 75]، فهل يأكل الطعام من كان إلهًا؟
وحين جعلوا الآلهة ثلاثة فقد نقضوا التوحيد الذي بعث الله به جميع رسله من لدن نوح إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم.
وكما أنهم عطلوا الإيمان بالله وبرسله، فقد عطلوا الكتاب المنزل على عيسى؛ لأنهم حرفوه، ولا أدل على ذلك من أنهم لم يستقروا على إنجيل واحد كما أنزله الله عز وجل على عيسى عليه السلام، بل لكل فرقة منهم إنجيل خاص بهم، والأناجيل المعترف بها من قبل جميع فرقهم هي أربعة أناجيل: (إنجيل متَّى، وإنجيل مرقص، وإنجيل يوحنا، وإنجيل لوقا)، ومجموع هذه الأناجيل الأربعة يسمى لديهم بالعهد الجديد، وهو النصف الثاني من كتابهم المقدس، وأما النصف الأول منه، فهو الذي يسمونه العهد القديم، ويشمل التوراة التي تعد أصلًا للديانة النصرانية التي جاء عيسى عليه السلام مصدقًا لها كما قال تعالى عنه: ﴿ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ﴾ [آل عمران: 50].
وعلى هذا؛ فهم يؤمنون بالعقائد اليهودية التي وردت في التوراة والتي حرفها اليهود، ويزيد عليها النصارى ما ورد في أناجيلهم مما حرفوه هم بأيديهم.
ولهم غير هذه الأناجيل الأربعة التي يتضمنها العهد الجديد أناجيل أخرى، ومما يدل على تحريفها اختلاف الأناجيل فيما بينها، كما يدل على تحريفها أيضًا أن الروايات التي وردت في الأناجيل وردت على سبيل الحكاية والقصة لأمر متقدم؛ مما يدل على أنها كتبت بعد عهد عيسى عليه السلام بمدة تطول أو تقصر[5].
3- صفات النصارى النفسية:
هم في صفاتهم النفسية يشبهون إلى حد كبير اليهود؛ لأنهم يتبعونهم في تلقي مبادئ العهد القديم (التوراة)، ولذلك تجد أن القرآن الكريم كثيرًا ما يقرن بينهم في كتابه بتسميتهم أهل الكتاب، وهذه التسمية يدخل فيها اليهود والنصارى، فيذكر صفات الأمتين تحت هذا الاسم، فإذا كانت الصفة خاصة بإحدى الأمتين مثل عقيدة التثليث، فإنه يسميهم باسمهم (النصارى)، ولئن كان هنالك فارق بينهم؛ فهو أن النصارى كانوا يتسمون بالتسامح الذي يظهر جليًّا في تعاليمهم التي يزعمون أنهم تلقوها عن المسيح عليه السلام، كما اتصفوا بالزهد والتخلص عن علائق الدنيا في أول عهودهم، ثم كانت هاتان الصفتان مما يتلاشى مع مرور الأيام وتطاولها حتى صاروا إلى ما هم عليه اليوم بفعل التبديل والتغيير بأيديهم، أو بأيدي اليهود، أو عبر التغيرات الفكرية والعقدية التي مرت بها أوروبا فيما بعد.
نظرتهم لليهود:
إن النصارى قابلوا اليهود بنفس عدواتهم، وزادوا عليهم فيها اعتقادهم بأن اليهود قتلوا عيسى عليه السلام الذي اتخذه النصارى فيما بعد إلهًا؛ فكانت نتيجة هذا الاعتقاد أن يتحينوا كل فرصة للانتقام من اليهود، فلاحقوهم في أيام تنصر الإمبراطورية الرومانية بالبطش والتنكيل والتقتيل كما هو معروف في تاريخهم القديم.
وقد كانت حملات الإبادة والملاحقة التي أُقيمت لليهود أمرًا طبيعيًّا يقوم به النصارى، وهو أعظم ما يستطيعه من يرى قاتل إلهه - تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا - وكانت حملات الإبادة هذه قائمة على قدم وساق، حين كانت السلطة الكنسية موجودة، ولم تتوقف محاكم التفتيش طوال العصور الأوروبية الوسطى عن مطاردة اليهود، حتى ظهرت الثورة على الكنيسة في العصر الحديث، وحينها آذنت شمس الكنيسة بالأفول عن السلطة السياسية.
نظرتهم للمسلمين:
لم تظهر دعوة الإسلام ولم ينشق فجره إلا بعد انحراف الديانة النصرانية وزيغها عما جاء به عيسى عليه السلام، وكان حال الأرض كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم في أول ظهور الإسلام: ((إن الله نظر إلى أهل الأرض، فَمَقَتَهُم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب))، وهذه البقايا من أهل الكتاب لم تكن قادرة على أن تغير شيئًا من انحراف أهل الأرض وشركهم، وحتى هذه البقايا لم يكن الإنسان قادرًا على أن يصل إليهم بعد أن يجوب الأرض إلا بمشقة شديدة؛ كما يتضح هذا من قصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه.
وكان النصارى في غالبيتهم يتبعون الديانة النصرانية المحرفة، فلما ظهر الإسلام، كان من أوائل ما بينه وردَّه من شرك الناس عقيدة التثليث النصرانية كما جاء في سورة مريم، ويبين هذا قصة المهاجرين الأوائل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع النجاشي وبطارقته، فكان من الطبيعي أن يعادي النصارى هذا الدين الجديد الذي كان من أوائل مبادئه أن ينقض أساس الديانة النصرانية المحرفة، ويرد الأمور إلى نصابها كما جاء بها عيسى عليه السلام والأنبياء من قبله؛ لأن النصارى كانوا قد أشربوا التثليث في قلوبهم، ولم يعد في صدورهم متسع لقبول الحق الذي جاء به الإسلام.
وليست عداوة النصارى واليهود من قبلهم للإسلام تكذيبًا له، أو لعدم اعترافهم بصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد قال تعالى عنهم: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ [البقرة: 146]، ولكن السبب الذي ردهم ومنعهم هو الحسد لهذا الدين الجديد ولهذا النبي الجديد، الذي يعني اتباعه زوالَ سلطة رهبانهم ورؤسائهم وخسارتهم لِما يمتلكونه من سلطة كهنوتية تُدِرُّ عليهم أموالًا طائلة ودخولًا عظيمة، ومعنى اتباعهم للإسلام ودخولهم فيه أن يعودوا من عامة الناس؛ فضنُّوا بملكهم، ولم يبقَ إلا عداوة هذا الدين وعداوة نبيه وأتباعه والكيد لهم بكل ما يستطيعون.
هذا حال ملوكهم ورهبانهم وأحبارهم وبقية النصارى وعامتهم كانوا تبعًا لهم لا يملكون من أمرهم شيئًا، ولا يفقهون حديثًا إلا ما يلقنه لهم رهبانهم ورؤساؤهم؛ فهم كما وصفهم الله عز وجل: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 31].
ومما يوضح هذه العداوة حديث هرقل الذي ورد في أوائل صحيح البخاري الذي رأى إعلان عداوته للإسلام؛ خوفًا على ملكه، مع اعتقاده يقينًا بصدق النبي صلى الله عليه وسلم.
وكما في قصة وفد نصارى نجران مع النبي صلى الله عليه وسلم، والتي نزل فيها صدر سورة آل عمران.
رابط النشر : https://www.alukah.net/sharia/0/150202/#ixzz7B84UzYwH
0 التعليقات :
إرسال تعليق