لماذا ينتحرون؟

الجمعة، 9 ديسمبر 2011



أنا فتاة بالعشرينات من عمري فكرت بالانتحار أكثر من مره لكني أتراجع .هذه المرة فكرت بجدية أنني انتحر لسبب مشكلات أسرية لا يد لي فيها ولكن يلحقني منها أذى ولا سبيل في الخلاص منها حتى الآن إلا بالانتحار قرأت فتاوى تحرم الانتحار وأنها تقود صاحبه إلى النار لكن أنا يا مشايخنا وعلمائنا ما ذنبي كي تفتون بدخولي النار وأنا يشهد الله لم أرتكب كبيرة في حياتي ؟ لم أفعل أي شيء خطأ إلا أني أبحث عن الراحة وراحتي هي في عدم وجودي بالحياة لماذا لا تفهمونني ؟
 
مقدمه:
الانتحار هو أن يعمد شخص ما لإنهاء حياته بأي طريقة نتيجة  لفشله في حياته أو بسبب ظروف ضاغطة يعاني منها ولا يستطيع التكيف معها مما يشعر معه بأن الحياة لا تطاق فيسعى للتخلص منها وهو كما قالت العرب شرّ من الموت ما يُتمنى معه الموت .
والانتحار نوع من حالات الجبن والانسحاب في كل العالم إلا ما يتعلق بالثقافة اليابانية وبعض معتقدي العمليات الانتحارية.
وتذكر بعض الدراسات أن 35% من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية كالاكتئاب والفصام والإدمان.
بينما تعود 65%  من الحالات إلى عوامل متعددة مثل التربية والمشاكل الأسرية أو العاطفية والشعور بالفشل والآلام النفسية والأمراض الجسمية أو تجنب العار أو الإيمان بفكرة أو مبدأ كالقيام بالعمليات الانتحارية.
لماذا الانتحار؟
ومن هنا نبدأ الجواب مع هذه الأخت التي تنوي الانتحار والتي يبدو أنها من القسم الثاني الذي يتعرض لظروف حياتية ضاغطة تتمنى معها الموت.وهؤلاء وصلوا إلى مرحلة من اليأس يحتاجون معها إلى من يقف إلى جانبهم ليساعدهم.
ومثل هذا الشخص الضعيف الذي يريد الهرب من حياته ويجنح للخلاص إنما يفرّ من شرّ نزل به وكرب آذاه إلى ما هو أشد شرّا وأعظم كرباً .فهو كالمستجير من الرمضاء بالنار.
وحقيقة الدنيا أنها دار بلاء وامتحان وهي ممر ومعبر للآخرة وبقدر صبر الإنسان فيها وحفاظه على الأمانة التي عنده من روح وجسد وعمل مما ائتمنه الله عليه وبناء على مقدار حفظه لها  يكون جزائه عند ربه.
ما العمل؟
حسنا : إذا ابتلي الإنسان بمشكلات وضغوط شديدة جعلته ييأس من الحياة ويفكر في الانتحار فما العمل؟
لاشك أن الشخص الراغب بالانتحار مغيب العقل بالكامل أو بشكل جزئي فهو لا يرى شيئاً إلا وقد صبغ بالسواد ولا يفهم من الحياة إلا ضيقها ونكدها وشدتها وحاجته للهروب منها بأسرع وسيلة، ومن لطف الله أن الإنسان يخاف من الموت ويستصعبه وكلما حاول الانتحار وسعى إليه جبن عن التنفيذ وراجع نفسه ليعيد الكرة مرة بعد أخرى.
وفي هذه الأثناء قد يتيسر له فرج ينتشله من وهدة اليأس أو تلوح له بعض علامات الفرج مما هو فيه وقد ييسر الله له شخصاُ يعينه على تجاوز أزماته؛وربما كان له خبيئة من الأعمال الصالحة التي تحول بينه وبين مصارع السوء كما جاء في الحديث أن صنائع المعروف تقي مصارع السوء.
وقد يكون في تربيته السابقة وتنشئته ما يستند إليه ويعزز لديه مشاعر الإيمان التي تعود به إلى مشاعر الحياة وتخلصه من مشاعر الموت.
والانتحار وكافة المشاعر السلبية التي يتعرض لها الإنسان في حياته مصدرها الأول هو الشيطان إذ يحرص على أن يدمر حياة الإنسان بكل وسيلة وهو حريص على إيذاءه كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
يقول الله عزوجل(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )البقرة : 268

وللشيطان جولات وصولات على قلب ابن آدم يسعى فيها لتعطيله عن الخير ويشل سعيه عن زيادة الدرجات ،وما أكثر ما يأتيه من جانب التشكيك في اليقين مرة ومن جانب التحزين(الاكتئاب والقنوط) مرة ومن جانب التخويف من الفقر مرة ومن جانب تهويل الأمر وتصعيب السهل مرات . عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر و تكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله تعالى فليحمد الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان)صحيح الجامع.
حكم الانتحار؟
ونحن نعلم أن الانتحار محرم بجميع أشكاله وقد ورد أنه من الذنوب الكبرى التي يخلد معها الإنسان في النار.
ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم : (كان برجل جراح فقتل نفسه ، فقال الله : بدرني عبدي بنفسه ، حرمت عليه الجنة).
وفي صحيح البخاري أيضا:(من تردى من جبل فقتل نفسه ، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تحسى سما فقتل نفسه ، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن قتل نفسه بحديدة ، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا).
وسبب تحريم قتل النفس في الإسلام وتغليظ عقوبة المنتحر أن حياته ليست ملكه لينهيها متى شاء بل هو مخلوق لغاية محددة وأجل مسمى فإذا تدخل في ذلك تطفل على مقام الربوبية وعارض الله في أحكامه وهذه جريمة عظيمة.
والانتحار جريمة لأنه كما قال الله (بدرني عبدي بنفسه) فلِم لَم ينتظر رحمة الله ؟ فإنه سبحانه وتعالى يبتلي من عباده من شاء بما شاء من مصائب امتحانا لهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وليقيم عليهم الحجة من أنفسهم.

والموت والحياة مخلوقان كما قال الله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ )
ومن إضاءة هذه الآية أن الموت وجميع أسبابه وأشكاله مخلوق للابتلاء.
وكذلك الحياة وجميع أسبابها وأشكالها مخلوقة للابتلاء.
فعلام يسعى الإنسان للموت ويدع السعي للحياة ؟
وهذه الأخت وأمثالها ممن ضاقت بهم سعة الحياة يجب عليهم أن يستنجدوا بمن يثقون به لإخراجهم من دائرة الموت وردهم إلى سعة الحياة فلها خُلقنا لنسخرها لما بعد الموت فإذا ألغيناها فقد قطعنا رصيدنا منها واعتدينا على حق الله تعالى وحكمه .
وينبغي لمن وصل إلى مثل هذه المراحل المتقدمة من اليأس أن يتذكر أو يُذكره من حوله بما يلي:
1-أن الفجر لا يكون إلا بعد اشتداد ظلمة الليل.
2-وأن بعد العسر يسراً وقد كان ابن عباس رضي الله عنه يقسم على أنه لن يغلب عسر يسرين لقوله تعالى(فإن مع العسر يسرا*إن مع العسر يسرا).
3-لو كان في الانتحار خير لسعى إليه الأقوياء والشجعان ولما كان حكراً على الضعفاء السلبيين والمرضى النفسيين.
4-المنتحر قضى على فرصته في مغفرة الله ورحمته واستعجل الورود على نار جهنم فهو كما قيل كالمستجير من الرمضاء بالنار وأين تقع مشكلات الدنيا كلها من عذاب الآخرة. وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم : (يؤتى بأنعم أهل الدنيا ، من أهل النار ، يوم القيامة . فيصبغ في النار صبغة . ثم يقال : يا ابن آدم ! هل رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول : لا . والله ! يا رب ! ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا ، من أهل الجنة . فيصبغ صبغة في الجنة . فيقال له : يا ابن آدم ! هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول : لا . والله ! يا رب ! ما مر بي بؤس قط . ولا رأيت شدة قط).
5-الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر كما في الحديث فلا يتعجب الإنسان إذا لاقى في سجنه الأذى والضيق والشدة.
6-كل ما يصيب المسلم في دنياه فهو كفارة له كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم(ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ، ولا هم و لا حزن ، و لا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها خطاياه) .
7-يجب على المصاب بهذا النوع من التفكير أن يتلقى علاجاً نفسياً ومساندة لدى المختصين وقد يحتاج إلى بعض مضادات الاكتئاب وخاصة في بداية العلاج مع جلسات للعلاج السلوكي المعرفي والإرشاد النفسي .
8-في بعض الحالات ربما يحتاج المريض إلى من يغير بوصلة تفكيره فهو كما قيل يعلق نظره بباب مغلق ويغفل عن الأبواب المفتوحة.
9-الأفكار السلبية سببها الشيطان فلذلك ينبغي الاستعاذة منه والتحصن من كل ما يساعده ، كما أن الأفكار السلبية تحتاج إلى أفكار ايجابية تزاحمها لتزيحها من دائرة التفكير.
10-القرآن شفاء  و الصلاة نور ، و الصدقة برهان ، و الصبر ضياء ، والطهور شطر الإيمان ،والأذكار حرز ، ومقدار الدواء يجب أن يتناسب مع حجم الداء.
11-أهم شيء هو صدق اللجوء إلى الله عز وجل بالدعاء والإلحاح فيه وما هلك عبد ولديه كنز الدعاء وخاصة في آخر الليل وأوقات الإجابة وكلما زاد المضطر في دعاءه زادت راحته وانشراحه وقرب فرجه.
والله عز وجل يحب سماع جؤار عبده المحتاج وبه سبحانه مدح نفسه كما في قوله تعالى:(أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ).

قال السماء كئيبة ! وتجهما------ قلت: ابتسم يكفي التجهم في السما !
قال: الليالي جرعتني علقما------ قلت: ابتسم و لئن جرعت العلقما
فلعل غيرك إن رآك مرنما----------- طرح الكآبة جانبا و ترنما
أتُراك تغنم بالتبرم درهما--------- أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما ؟
فاضحك فإن الشهب تضحك و الدجى------ متلاطم, و لذا نحب الأنجما !
قال: البشاشة ليس تسعد كائنا--------يأتي إلى الدنيا و يذهب مرغما
قلت ابتسم مادام بينك و الردى----------- شبر, فإنك بعد لن تتبسما


كتبه/أبو بكر بن محمد
1433/1/12هـ




0 التعليقات :

إرسال تعليق

 
بوح قلمي ،،، أبو بكر بن محمد | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .