مقترح لتطوير الإشراف التربوي في التعليم العام

السبت، 1 ديسمبر 2012



بسم الله الرحمن الرحيم
 
مقدمة:
من خلال عملي معلما في جميع المراحل الدراسية ثم في الإدارة المدرسية وكيلا في المرحلة الابتدائية ومديرا في المرحلة الثانوية ثم انتقالي للإشراف التربوي منذ أربع سنوات وحتى الآن خرجت بنوع من الرؤية لتطوير أداء المشرف التربوي الذي يمكن أن يتركز على جانب مهم وهو تطوير المعلم الذي يعدّ مفتاح النجاح الأول والأهم في تطوير التعليم.
وافترض في هذا الطرح أن المشرف التربوي يُعدّ خبيرا تربويا تم اختياره بعناية بالغة وأن مهمته الرئيسة هي تطوير أداء المعلمين.
كما افترض من خلال خبراتي السابقة أن أكبر وأهم مشكلات المعلمين هي في الجانب السلوكي والأداء الفني ، فمن حيث السلوك نحن نفتقد المعلم المُربي والقدوة ، وأما الجانب الفني فإن نقص خبرة المعلمين وعدم تأهيلهم في المرحلة الجامعية مع نقص التدريب المخطط له على رأس العمل أدى إلى انخفاض واضح في الجوانب الفنية لأداء المعلمين والمراقب لسلوك المعلمين –وبخاصة الجدد- يجد أن المشكلات التي يشتركون فيها تكاد تكون مشتركة في الغالب العام ومن هنا فإن تخصص المشرف الدقيق لا يهمنا كثيرا في أكثر المشكلات التي تعترض أداء المعلمين ومشكلاتهم اليومية والصعوبات المهنية التي يوجهونها في الغالب.
تشخيص مشكلة الإشراف التربوي:
واقع الإشراف التربوي اليوم لا يخفى على العاملين في الميدان التربوي ، فهنالك جانب نظري – متميز- لمهام وأدوار المشرف التربوي تتلخص في النهوض بالتربية والتخطيط التربوي وتنمية أداء المعلمين.
لكن الواقع أن ما يحدث من ممارسات في الإشراف التربوي بعيدة كل البعد عن أدبيات الإشراف التربوي ونظرياته المختلفة التي تُعنى بتطوير المعلمين إذ تجد أن كثيرا من المشرفين التربويين أبعد ما يكونون عن ممارسة دورهم الرئيس لينشغلوا أو يشغلوا بأدوار جانبية هامشية لا تعود على المعلم ولا الطالب بالفائدة المرجوة.
ولن أكون مبالغا إذا قلت بأن هذا هو السائد العام في الإشراف التربوي وأن خلاف ذلك من تميز بعض المشرفين في الارتقاء بأداء المعلمين والطلاب هو الشذوذ الذي يؤكد القاعدة.ولذلك يلفت انتباه المراقب للميدان التربوي.
وجزء من هذه المشكلة هو بسبب النظام-غير المكتوب- المعمول به حاليا من كون المشرف التربوي مكلفا بمتابعة انضباط الدوام الرسمي في المدارس ومتابعا للمشكلات الإدارية المختلفة مما يبعده بشكل كبير عن مهامه المنوطة به والتي ينتظرها منه الميدان التربوي ويحتاجها المعلم والطالب.
وهذا أدى إلى أن يتحول جزء كبير من أعمال الإشراف التربوي لمتابعة أعمال الطوارئ اليومية التي تحدث في المدارس بسبب سوء التنظيم الإداري داخل المدرسة أحيانا وأحيانا أخرى لافتقاد التخطيط الاستراتيجي على مستوى الإدارات العامة في المناطق والوزارة.
وجزء من المشكلة مرتبط للتداخل بين تلك الإدارات وازدواجية العمل فيما بينها ومرات أخرى لفقد التنسيق والتواصل فيما بينها.
 ويبدو أن عدم التوافق –ذلك- من أعلى الهرم التربوي إلى أدناه لوظيفة المدرسة التي يتم التنظير لها بشكل يختلف عن التطبيق العملي اليومي قد أحدث نوعا من الازدواجية في الشخصية التربوية للمدرسة وللعاملين في الميدان التربوي فنحن نتحدث عن شيء ونخطط لشيء آخر ونمارس شيئا ثالثا في عملنا اليومي ؛ حتى سيطر على جميع أعمالنا مفهوم الإدارة بالطوارئ.
مما ألقى بظلاله على دور الإشراف التربوي كونه الواسطة بين المدرسة من جهة وبين الإدارات العليا من جهة أخرى.
و هذا الخلل في وظيفة المشرف التربوي يعود في وجهة نظري لغياب الوصف الوظيفي الدقيق والواضح لمهام المشرف التربوي مما أدى  لجعل دوره في الميدان التربوي في نظر الإدارة العليا "مرناً" بحيث أصبح كل أمر طارئ يمكن أن  يسند إلى المشرف التربوي بشكل تلقائي. مما أدى لانشغال المشرف التربوي بالأعباء الإدارية  .
وهذا قلص بشكل كبير دور المشرف المنوط به للارتقاء بالمعلم ومهمته داخل الفصل والمدرسة .و يفترض في النظام أنه قد قام  بتحديد مهام الإشراف التربوي مسبقا و تحديد آلياته خصوصا وأنها مهام معروفة مسبقا وتتكرر بشكل بدوري ليضع حدّا لكثرة انصراف المشرف التربوي عن مهمته الرئيسة.
 
وقد حاولت أن أعيد ترتيب عمل المشرف التربوي وطريقة توزيع أدوار المشرفين التربويين في الميدان التربوي انطلاقا من أنك إذا واجهت مشكلات في عملك فقد تكون بحاجة لتعديل طريقة تناولك وأداءك لذلك العمل.
فوائد هذا المقترح:
1-يعتمد هذا المقترح أساسا على النهوض بالمعلم في الفصل والمدرسة وفق الملاحظة اليومية لطريقة أداءه لمهامه ومساعدته على تحسين مستوى أداءه بشكل مباشر.
2-تخفيف الضغط على مديري المدارس حيث تخفف عنهم أعباء الزيارات الفنية والتخطيط لتطوير وتدريب المعلمين ، كما ترفع عنهم ازدواجية وجهات النظر بين مشرفين مختلفين في وجهات نظرهم حول جوانب تنمية المعلمين وتلك الاختلافات ناتجة عن اختلاف تخصصاتهم من جهة وشخصياتهم من جهة أخرى.
3-يساعد المشرف التربوي على توحيد جهده وتركيزه على مجموعة محددة مما يعطي مجالا أكبر لعمليات التخطيط والتطوير والتدريب الفعال.
4-يقلل هذا التصور من الحاجة لزيادة أعداد المشرفين التربويين  الذي يؤدي في بعض الأحيان للتساهل في ترشيح بعض المشرفين الذين لا يرتقون لدرجة خبراء تربويين مما أدى في بعض أحيان لضعف مستوى الإشراف التربوي وقلل من قناعة المعلم ومدير المدرسة بأداء بعض المشرفين التربويين.
5-كذلك من فوائد هذا التصور أنه يرفع عن المشرف التربوي عبء الأعمال الإدارية والتكليفات التي لا تتعلق بأي شكل من الأشكال بمهام المشرف التربوي وإنما هي أعباء إدارات وأقسام أخرى تحاول أن تتخلص منها بتحميلها على الإشراف التربوي.
6- قد نحتاج للتذكير مرة أخرى أن مدير المدرسة هو صاحب جميع الصلاحيات الإدارية في المدرسة وهو المسئول الأول من الناحية الإدارية والمشرف التربوي مسئول فقط عن الجوانب الفنية في أداء المعلمين وتطويرهم وتدريبهم ليتفرغ المدير للأعمال الإدارية الأخرى ولا يعني هذا عدم زيارة المدير لمعلميه بل يقتصر في ذلك على المعلمين الجدد وذوي الأداء المتدني ومن يماثلونه في تخصصه العلمي .

 
التصور المقترح لتطوير الإشراف التربوي
 
يوم السبت
يوم الأحد
يوم الاثنين
يوم الثلاثاء
يوم الأربعاء
مدرسة أ
مدرسة ب
مدرسة ج
برامج تدريبية مشتركة أو فردية في المدارس الثلاث يخطط لها المشرف التربوي مع مديري المدارس الثلاث على ضوء احتياجات المعلمين وبناء على البرامج الوزارية والأنشطة التي تقرها إدارة التربية والتعليم.
اجتماع جميع المشرفين التربويين في مكتب التربية لمناقشة أعمالهم في مدارسهم والتخطيط لمعالجة الاحتياجات بشكل متكامل.
ومتابعة مستجدات البرامج الوزارية .
 وفي حال حاجة أحد المشرفين لزيارة مشرف متخصص في مادة معينة يمكن الترتيب لذلك من خلال هذا الاجتماع الأسبوعي.
يحضر المشرف التربوي هذه الأيام الثلاثة دوام كامل كل يوم في مدرسة ويثبت دوامه طوال الفصل الدراسي ما لم تستدع الضرورة خلاف ذلك.
ويحرص على أن تتناسب المدارس من حيث المرحلة وعدد الطلاب على أن تكون إحداها متميزة لتطبيق تدريب الأقران والزيارات المتبادلة.
كما نفضل تقاربها الجغرافي ليسهل التواصل فيما بينها.
 
1-يكلف المشرف التربوي بثلاث مدارس فقط  يشرف فيها على جميع المعلمين بغض النظر عن تخصصاتهم.
2-يباشر المشرف في كل مدرسة دوام كامل يوم السبت في واحدة والأحد في الثانية والاثنين في المدرسة الثالثة.
3-تكون مهمة المشرف التربوي مركزة في الجانب الفني لأداء المعلمين وإكسابهم المهارات وتطوير أدائهم.
4-يوم الثلاثاء من كل أسبوع يخصص للبرامج التدريبية التي يخطط لها المشرف التربوي بشكل فردي للمعلم أو جماعي لعدد من المعلمين أو مشترك بين مدارسه الثلاثة.
5-يوم الأربعاء يكون يوم مكتبي في مكتب الإشراف التربوي ويعقد فيه كل أسبوع حلقة نقاش بين المشرفين لتبادل الخبرات والمشكلات التي تقابلهم وأفضل الطرق لحلها،ويتعاونون على تصميم خطط عمل لتنمية مهارات المعلمين والاستفادة من المتخصصين في المواد المختلفة بحسب حاجات معلمي المدارس المسندة  للمشرف  ودراسة المشاريع والبرامج الوزارية.وفيه تقدم البرامج التدريبية للمشرفين من قبل خبراء بحسب الحاجة .
 
طريقة توزيع المدارس على المشرفين التربويين:
1-بالنسبة لمشرفي الصفوف الأولية ومشرفي الإدارة المدرسية ومشرفي التوجيه والإرشاد والتربية الفنية والتربية البدنية والنشاط والتوعية الإسلامية تبقى وفق النظام المعمول به حاليا نظرا لقلة المشرفين المختصين فيها وللحاجة اليومية للمتخصص لمتابعة برامج  تلك الأقسام المتخصصة.
2-يبقى في كل إدارة تربية وتعليم مشرف واحد مختص لكل مادة وهو رئيس القسم ليغطي حاجات المشرفين الذين قد يحتاجون لزيارة مشرف مختص في المادة عند حدوث مشكلة متعلقة بالجوانب التخصصية.
3- يقوم المشرف التربوي في المدارس الثلاث المسندة إليه بأعمال المشرف المنسق المتعلقة بالبرامج الوزارية إضافة إلى أعمال الزيارات الفنية للمعلمين إضافة إلى مهام التدريب للمعلمين والعاملين في المدرسة.
4-يكلف في كل مركز تدريب مشرف تربوي لكل تخصص دقيق للمشاركة في تدريب معلمي التخصص ومساندة المشرفين في وضع خطط وبرامج التدريب فيما يتعلق بتخصصه ويمكن أن يكتفى في ذلك برئيس القسم ليكون بمثابة الخبير التربوي في تخصصه ليستفيد منه المشرفون ذوي التخصصات الأخرى في المدارس المسندة إليهم.
5-توزيع المدارس يكون بالتفاهم مع مديري المدارس حتى يحدث انسجام بين إدارة المدرسة والمشرف التربوي المسئول عنها لتعود بذلك أكبر فائدة على المعلمين والطلاب.
ختاما:
ذكر بعض الأخوة الذي راجعوا هذا المقترح أن هنالك تشابه مع تجربة الإشراف المتنوع التي سبق طرحها من قبل مدير إدارة الإشراف التربوي السابق بوزارة التربية والتعليم الدكتور راشد العبدالكريم.
وحيث أني لم أطلع عليها من قبل فقد قمت بالبحث عنها ومراجعتها ووجدت نوعا من التشابه ونوعا من الاختلاف سيلاحظها من يقارن بين الفكرتين وإن كنت شعرت بأني أسير على طريق مسلوك من قبلي وأن هنالك من يفكر بنفس الطريقة. ولعل أهم طرق الاختلاف تعتمد على أن مقترحي هذا لا يغير كثيرا من آليات عمل المشرف التربوي بقدر ما يجعله أكثر ملازمة للمعلم بشكل يومي وأداءه داخل الفصل وطريقة تعامله مع طلابه في المدرسة .
وأخيرا أتمنى أن يكون في هذا المقترح إضافة جديدة للميدان التربوي والحمدلله أولا وآخرا.

كتبه خالد بن محمد الشهري
مشرف تربوي بالمنطقة الشرقية

 
بوح قلمي ،،، أبو بكر بن محمد | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .