القائد التربوي الذي نُريد

الثلاثاء، 1 أكتوبر 2013


القائد التربوي الذي نُريد

مفاتيح القيادة التربوية الناجحة


ألقيت في لقاء القيادات التربوية الأول لعام 1434-1435هـ في قطاع الظهران

حين تتجانس المجموعة التربوية العاملة سواءً أكانت في مدرسة أو معهد أو كلية أو غيرها من المؤسسات التربوية وتلاحظ أنها تعمل في انسجام وتناغم فتشعر حين تراقبهم بأنك تتابع منظر جميلاً أو تستمع لأنغام جميلة لا يعكرها نشاز لشدة ما بينهم من توافق وتكامل ، فثق تمام الثقة بأنهم قد سَعدوا بوجود قيادة تربوية ناجحة .
فمن هو القائد التربوي الذي وصل بهم إلى هذا الانسجام والتناغم ؟
 هو ذلك الإنسان الذي يحمل صفات ذاتية ومهارات عملية تؤهله لقيادة مجموعة من التربويين الذين يعملون لتطبيق مبادئ التربية وتنشئة جيل جديد وهم في الحقيقة عناصر التنمية المستدامة لأي مجتمع  طموح.
لماذا الحديث عن مدير المدرسة وليس غيره؟
باختصار لأن مدير المدرسة هو أهم قائد تربوي في الميدان فلا مدير مكاتب التربية ولا مديري الإدارات ولا وكلاء الوزارة ولا الوزير لا أيّ منهم يستطيع أن يرتقي بالعملية التربوية ما لم يكن مدير المدرسة قائدًا تربويًا مشاركا ومقتنعا بأهمية دوره.
وكل عملية تمارسها المدرسة أو دور يقوم به المعلم أو خطة لتطوير الطلاب لا بد أن يكون مدير المدرسة هو المخطط لها والمقوم لنتائجها وبناء على رأيه يتم تطويرها أو إلغائها.

قائد أم مدير

كل قائد يمكن أن يكون مديرًا وليس العكس ؛ فكيف يمكن أن نفرق بينهما ؟
القائد يحمل ” بُعدًا نفسيًا “                 المدير يهتم”بالفكر التنفيذي“

من خلال الجدول التالي يمكن أن نعرف بعض الفروق بين القائد والمدير:
القائد
المدير
مهام العاملين واضحة والفرق تعمل وفق خطط
لا توجد مهام واضحة والجميع ينتظرون تكليفا يوميا بالعمل
كل فرد يعرف دوره ويقوم به بشكل تلقائي حتى في حال عدم وجود القائد
يحتاج كل فرد أن يتعرف على مهمته قبل الشروع في العمل
في حال عدم وجوده وغيابه يسير العمل في المؤسسة بشكل متقن ومتناسق
في حال غيابه تتوقف أكثر الأعمال وأهمها
في حال غيابه يشعر العاملين معه بتضاعف مسئولياتهم فيقل استئذانهم وخروجهم
تزيد نسبة الغياب والتهرب من العمل في حال غيابه.
هنالك نائب واثق من أداءه ومخول باتخاذ القرارات في حال عدم تفرغ القائد أو غيابه حيث التفويض واضح ومستقر
كل المعاملات والقرارات تتوقف حتى يباشرها المدير بنفسه.
التفويض غير واضح ولا مستقر


فهل يمكن لمدير المدرسة أن يطور نفسه ليكون قائدًا تربويًا ؟
لن أتوغل كثيرًا في المصطلحات الإدارية ولا في نظريات القيادة ولكني سأحاول أن أسجل هنا بعض ما اكتسبته من خلال اهتمامي بموضوع القيادة التربوية الناجحة حيث وجدت أنها تحمل صفات مشتركة على اختلاف المجتمعات أشبه ما تكون بمفاتيح للقيادة التربوية بحسب ملاحظتي الشخصية وخبرتي العملية ؛ وهي في رأيي مهارات يمكن أن يتدرب عليها ويمارسها ليطوّر من مستوى أداءه عملاً بالقاعدة النبوية إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم .

عمل مثمر دون ضجيج:
وحين أسجل هذه المفاتيح فلأنها هي التي تؤهل القائد التربوي للتميز والنجاح وتلفت انتباه من حوله ؛ ويكون ذلك في الغالب دون ضجيج ودون حملات دعائية بل تجد أن القائد التربوي الناجح في الغالب يلفت انتباهك بنتائج أعماله وقوة تماسك مجموعته التي يقودها وتلحظ أن بينهم قدرا من الاهتمام والمودة اللافته للنظر والتي لا تجدها في مجموعات أخرى مجاورة أو مؤسسات مشابهة ؛ فتتوفر بيئة مدرسية آمنة ومحفزة على العمل والإنتاج وتنتشر مشاعر الرضى عن الذات بصورة جماعية بين منسوبيها وهذه من أكبر المحفزات على الابداع.
فإلى شيء من هذه الصفات التي تشكل مفاتيح القيادة التربوية الناجحة:-
1ــ سيد القوم خادمهم :
لا يشعر القائد التربوي الناجح أنه شخص مهمته فقط اصدار الأوامر والمراقبة بل ستجده في أي مكان في مؤسسته أو بين أفراد مجموعته وتتفاجأ في كثير من الأحيان أنه يشارك في جميع الأعمال مهما كانت محتقرة في نظر البعض وقد تجده مع عمال النظافة يشاركهم أعمالهم ويساعدهم عند الحاجة .
وقل ما شئت فوق هذا من أعمال اخرى وهو يستمتع حين يقدم أي خدمة لأعضاء مجموعته حتى لو كانت خارج نطاق الوظيفة الرسمية في أي زمان وأي مكان.
2-قائد على بصيرة:
القائد التربوي الناجح يتحرك على بصيرة وبمهنية عالية ويعرف كيف يتحرك بطريقة علمية فهو مثلاً:
-لديه رؤية واضحة له وواضحة لدى العاملين معه.
-أهدافه محددة ودقيقة يعرفها كل من حوله.
-خطته مبنية على أسس علمية ويبتعد عن أسلوب المحاولة والخطأ.
-يُحلل المشكلات ويضع الحلول والبدائل المناسبة لها.
-يعرف كيف ينشئ فرق العمل ويُشرك الآخرين معه ويحدد مهامهم بشكل واضح.
-يكتشف مواهب العاملين معه ويضع خطة لتنميتها وصقلها.
-اجتماعاته لها معنى ومتجددة تكسر الروتين والملل ويبحث عن أساليب مشوقة ويملئها بالمفيد والجديد.
-يستشير ثم يتخذ القرارات بشكل جماعي وليس العكس.
-يُحسن إدارة ذاته ووقته قبل أن يدير الآخرين وهو يعلم جيدًا أن فاقد الشيء لا يعطيه لهذا تجده يُحسن ضبط نفسه ولديه ثقة تنعكس على مستوى أداءه.
-ويتعلم ليُعلم وهو يعرف جيدا أن العلم لا يقف عند حدّ وأن تنمية المهارات لا تقف عند سقف محدد.

3ـ هو سرّ التميز :
يعلم القائد التربوي الناجح أنه يجب أن يكون هو سرّ التميز في مؤسسته وذلك من خلال اعطاء "قدوة" من نفسه لمن حوله فحين يكلمهم عن الانضباط يرون في سلوكه أكبر مثال عن الانضباط.
وحين يحفزهم للطموح يرون فيه طموحاً لا تحده حدود . فهو مثالهم النمو جي الذي يقتدون به في حياتهم العملية.

4ـ قويّ الشخصية :
قوة الشخصية باختصار كما عرفها البعض هي أن يقف أمام رؤسائه  بنفس الثقة التي يقف بها أمام مرؤوسيه ؛ ولا تعني قوة الشخصية بأي حال القسوة بل هي إلى الرحمة أقرب شيء.لكنها تبعث على القدرة على التغيير والتجدد والتطور لأن ضعف الشخصية أكبر حاجز أمام التطوير والإصلاح.

5ـ يهتّمُ بهم فيهتمون به :
القائد التربوي الناجح يهتم بكل فرد في مجموعته ويعطيهم كل ما يحتاجونه من اهتمام حتى في مسائلهم الشخصية ومشكلاتهم الخارجية ويشعرون معه بروح الأخوة التي تساعدهم على تجاوز مشكلاتهم ولهذا السلوك الايجابي منعكس ايجابي من اهتمامهم به والاستجابة لتحقيق الرؤية والرسالة التي يضع بذرتها بينهم .
وهو هنا يُطبق أفضل أضلاع الرباعية الإدارية المشهورة ( تكسب – و – يكسبون).

6ـ التشجيع ثم التشجيع :
تعجب حين تصاحب القائد التربوي الناجح  من عدم ملله من تشجيع من حوله رغم تكرر اخفاقات بعضهم فهو يعلم علم اليقين أن كل فرد عنده يمكن أن يتجاوز اخفاقاته ولذلك فهو يقربهم الى النجاح من خلال تشجيعهم لكنه مع هذا لا يغفل عن جانب كشف اخطائهم لهم لكن هناك فرقاً واضحاً بينه وبين المراقب الذي لا يتقن سوى الرقابة والمحاسبة .
(القاسم المشترك بين المعلمين المتميزين : عند سؤالهم عن الشيء الذي جعلهم متميزين تلخصت إجاباتهم في وجود إدارة تشجعهم وتدعمهم وتثق في قدراتهم المهنية).


7-لكل مشكلة حل:
القائد التربوي الناجح يعلم يقينا أن لكل مشكلة حل ، ولهذا فهو لا ينشر سحب اليأس فوق رؤوس مجموعته والعاملين معه.بل تجده يُذّكرهم دوما بأنه إذا أُغلق باب فتحت أبواب فلا تبق متعلقا بالباب المغلق.
قاعدته : ابحث .. وابحث .. و جرّب .. وستصل بإذن الله.

8- الفألُ ديدنه:
مما يناسب ما سبق في البحث عن الحلول وعدم الاستغراق في المشكلة و في غالب الأوقات ومهما كانت الظروف ستجد القائد التربوي الناجح متفائلا وهذه الروح تنتشر بين أفراد مجموعته وكأنه يشحن بطارية تفاؤلهم .إذ لولا الأمل لم يسع ساعٍ في هذه الدنيا.
أعلل النفس بالآمال أرقبها     ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

9-يمارس بإتقان دور "المستمع الجيد" :
القائد الناجح يُحسن مهارة الاستماع والإنصات ويعلم أن كثيرا من المشكلات والأزمات التي تعترض أتباعه تحتاج إلى مستمع جيد يفهم ما يقولون ويساعدهم على تجاوز مشكلاتهم.
ولابد من شكوى إلى ذي مروءة     يواسيك أو يسليك أو يتوجع

10-القائد التربوي "علومه غانمة " :
القائد التربوي الناجح كل علومه غانمة فلا تسمع منه إلا الأخبار الطيّبة وهذه سياسته الدائمة فهو ينشر كل خبر طيّب مهما كان صغيرا ، ويحاول حصر الأخبار السيئة في دائرتها الضيقة التي ينبغي ألا تتجاوزها حتى لا يؤثر سلبا فيمن حوله؛ويبدد بقوله وسلوكه غيوم اليأس والإحباط.

11- القائد التربوي " إنسان طيّب " :
القائد التربوي الناجح إنسان طيّب وهو كما عرّفه بعض طلابه (الإنسان الطيّب الذي يتحدث معك) يستمع ويدعم ، وهنا يشعر منسوبيه أنهم يملكون كنزًا تربويًا يساعدهم في مسيرة حياتهم على بحثهم عن الأفضل.

12-حريصٌ على التواصل:
القائد التربوي الناجح حريصٌ بشكل واضح على التواصل مع كل من له علاقة به وبمؤسسته من قريب أو بعيد بما يخدمها ؛ ويعرف كل من حوله كيف يصل إليه ويتواصل معه مهما كانت منزلته ولا يحتجب عنهم إلا في حالات الضرورة القصوى بشكل نادر ولوقت محدود.
وهو يُفعّل جميع قنوات التواصل الممكنة ولهذا فإن الأشخاص الخجولين يمكن أن يوصلوا إليه صوتهم بالطريقة التي تناسب حاجاتهم وإمكاناتهم وقدرتهم على التواصل.
وهو حذر من أكبر مشكلات التواصل بحسب قول برنارد شو :(إن المشكلة الكبرى في التواصل تكمن في توهم أن التواصل تمّ).

13-روح أب في ثياب مسئول:
القائد التربوي الناجح تتلبس ثياب المسئول روح الأب الشفيق ؛ فهو يراقب سلوك منسوبي مؤسسته من أجل تسديد سلوكهم وتعديله ؛ يفرح بصوابهم أكثر مما يبحث عن عقابهم.
ولذلك فهو لا يتخلى أبدًا عن مسئوليته التربوية مع طلابه ومعلميه وجميع المستفيدين من خدمات مدرسته أو مؤسسته.
ويهتم بتحفيز أتباعه ويثني على تقدمهم بشكل مستمر وبطريقة دافعة لتحسن سلوكهم ؛ وهو يمارس دور الأبوة الرحيمة الحكيمة التي تبني ولا تهدم وتُسدد ولا تندد.
وإذا رحمت فأنت أمٌ أو أبٌ         هذان في الدنيا هما الرحماء
14-القائد متوازن
       التوازن مطلوب حتى لا يطغى جانب على آخر
وخير ميزان لتحقيق التوازن هي القاعدة النبوية ”آت كل ذي حقٍ حقه“
فأعلم أن لربك عليك حقا ولجسمك عليك حقا ولأهلك عليك حقا ولزورك عليك حقا فآت كل ذي حق حقه.
15-القائد هو عرّاب التغيير:
الميدان التربوي في حراك مستمر والمؤثرات فيما حولنا تتحرك بسرعة وتضغط على التربويين وتنافسهم في مجال عملهم التربوي فهل يصلح للقائد أن يبقى ثابتًا دون تطوير لوسائله وأدواته وطرائق عمله مع التسارع العالمي وموجة العولمة العارمة بأسلحتها التقنية المختلفة التي غدت أسرع أثرًا منا في تربية أبنائنا وطلابنا بل الأخطر أنها في كثير من جوانبها ربما تهدم ما نبنيه !.
فهل نبقى محلك راوح أيها القائد التربوي؟
ومتى تبدأ التغيير؟
يقول أد فورمان :" إذا كنت دائمًا تقوم بما اعتدت القيام به فإنك سوف تحصل على ماكنت تحصل عليه دائمًا ".
ردات الفعل مع التغيير:
 ومع ذلك يجب أن تعلم أن كل محاولاتك للتغيير لن تمرّ بسهولة بل ستجد مقاومة حسب النوعيات والنسب التالية:
5% يؤيدون التغيير مباشرة
25%يؤيدون التغيير  بعد فترة وجيزة
60%ينتظرون هل يلبي التغيير حاجتهم أم لا؟
10% لا يقبلون أي تغيير.

16-كيف تُقيّم نفسك:
كلٌ منا يقيم نفسه بمنظار نفسه وهذا لن يضيف لنا شيئًا لأن الإنسان لا يمتلك النظرة الشاملة والموضوعية التي تعطيه حقيقة أداءه ولا تكون في الغالب صادقة ولا شاملة ولهذا ففي جوانب القيادة والإدارة ظهرت مفاهيم كثير لقياس الأداء والأثر وتقويم الأداء.
و يمكن لمدير المدرسة أن يطلع على معايير المؤسسات التربوية التي تقدم مسابقات التميز في الخليج والدول العربية والعالم ؛ وأشهرها حاليًا جائزة حمدان بن راشد آل مكتوم في الإمارات وجائزة التربية والتعليم للتميز في المملكة العربية والسعودية وهما جائزتان محايدتان وقائمتان على أصول فنية لقياس أداء القيادة التربوية وللعاملين في التربية.
و باختصار يمكنك أن تقيم نفسك من خلال عمل استبانة عن عمل المدير من كتاب أطعموا المعلمين قبل أن يأكلوا الطلاب ص30-34.
وأهم جانب في تقييمك لنفسك كقائد تربوي ومدير لمدرسة أن تتذكر أن " أفضل إداري هو ذاك الذي لا ينسى معنى أن يكون معلما " نيلا كونرز.

17-أُخروي النظرة:
القائد التربوي الناجح نظرته بعيدة المدى تتجاوز حدود الدنيا لترتبط بالآخرة وما فيها من أجر ونعيم مقيم ؛ ولهذا فهو لا يستعجل النتائج ولا يتعجل الثواب والمكافأة.
وذلك أن المربي المسلم من بين جميع أنواع العاملين ينتظر جزاءه الكامل من الله عز وجل في الدار الآخرة وهذا يُهوّن عليه كثيرًا من انتقاص الآخرين لمهمته وهضم المجتمع لحقه.
ويعلم أن الله عز وجل خيرًا جزاءًا وأعظم شكرًا ؛ ومهما اعترته مشاعر الضعف الإنساني رفعته نيته الصالحة وعادت به لينهض لمهمته أكثر نشاطًا وأعظم تفاؤلاً.

أخي القارئ والقارئة الكريمان:
 كانت هذه رسالة إلى كل مدير- ومديرة- بأن ينتقل من دور المدير إلى دور القائد ويكتسب مهارات القائد التربوي الناجح ليكون أوفر حظًا في دنياه وأعظم أجرًا في أخراه.






                                                                                            كتبه خالد بن محمد الشهري
مشرف علم النفس بتعليم المنطقة الشرقية
1434/12/4هـ
المراجع:
المدير المتميز خطوات عملية لمدير المدرسة- خالد الشهري
كتاب أطعموا المعلمين قبل أن يأكلوا الطلاب- نيلا كونرز ترجمة مكتب التربية لدول الخليج العربي
مجلة المعرفة

موقع منهل الثقافة التربوية

0 التعليقات :

إرسال تعليق

 
بوح قلمي ،،، أبو بكر بن محمد | by TNB ©2010 وتم تعريب القالب بواسطة مدونة نصائح للمدونين .