قال وقلت عن المولد النبوي

هذا نقاش جرى بيني وبين أحد الإخوة في توتير حول المولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام وهو حجازي وداخل معه أخ آخر من الحجاز -بارك الله فيهما وفي أهل الحجاز كله- وقد كان نقاشي حول طلب الرجوع إلى أصل التشريع وصاحب الشريعة عليه السلام كما سيظهر معك حين تقرأ ما دار بيننا.

لكني أحب أن أنوه إلى نقطة مهمة جدا حينما نبحث في مثل هذا الموضوع حيث أن من ضمن الإرث الثقافي لأهل الحجاز الاحتفاء بيوم المولد النبوي وإقامة احتفالات به مابين غالٍ ومقتصد ولهذا جرى في إرثهم قصص لا يستنكرونها لتعودهم عليها؛ فلما جاءت الدولة السعودية وجاء أخوان من طاع الله وكان في بعضهم خشونة وجفاء وغلظة في الإنكار صارت هنالك ردة فعل ضدهم بين الفريقين فأصبح أيضا من ضمن إرث الفريقين النزاع بين الحجازي والنجدي وهذا قديم منذ قرون طوال جددته الحوادث وكثيراً ما تحدث أمثاله بين الأقاليم المتجاورة المتنازعة.

ومن حسن حظنا أهل الجنوب أننا لم نشترك في صدامات لا مع هؤلاء ولا أولئك ولهذا كنا أقرب إلى الانسجام مع كلا المجتمعين وتلاقح  إرثهم الثقافي مع إرثنا العريق الذي لا يجهله أحد؛ إضافة إلى مدحة النبي عليه الصلاة والسلام لأجدادنا بالإيمان والحكمة.

لن أطيل عليك أخي القارئ وأتركك لما دار بيننا من حوار استمتعت فيه بأدب المحاور أكثر من أي شيء آخر وقد جعلت كلامه بالأحمر وكلامي بالأسود :

قال "بعد أن نقل صورة لوثيقة من تاريخ الحجاز":من تاريخ الحجاز: ذكرى المولد الشريف في الصفحة الأولى من جريدة القبلة في ربيع الأول عام 1335 هجري، قبل 100 عام بالضبط pic.twitter.com/1JGJIPuQmf

المولد النبوي في مكة المكرمة كما وصفته جريدة الشريف حسين (القبلة) في شهر ربيع الأول عام 1335 هـ ، قبل 100 عام بالضبط pic.twitter.com/wA67yXEsSE

قلت:السؤال الملح مع احترامنا لكل أولئك هل هذا مما ورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم. الذي يحتفلون بمولده

قال"صاحبه ":بل السؤال الاهم كيف حضر مفتي الحنابله هداه الله؟

قلت:ياشيخ لا تقول لي مفتي أنت تعرف مواصفاته سياسيا على مر التاريخ يعني في النهاية هو موظف.

قال:هذه وثيقة تاريخية وليست فقهية. لو أردت الفقه راجع قول الأئمة السيوطي والقسطلاني وأبن حجر والسخاوي وأبن عابدين الخ.

قلت:مازال سؤالي قائما ولنعد إلى صاحب الشريعة أما غير ذلك فسنأتي بأسماء أئمة أكبر أنكروا المولد.

قال "صاحبه":كيف نقرر من اكبر من من عادة ؟

قلت:المتبوع وصاحب المذهب المجتهد أكبر من التابع.

قال:لا بأس، ما قصدته هو وجود رأيين في مسألة المولد ، ونحن أخذنا برأي الاباحة ونحترم من أخذ بالرأي الآخر.

وقال:المسألة ليست بالعدد. راجعوا أقوال أئمة الفقه في كيفية التعامل مع القضايا الخلافية وكفى.

قلت:لا أظنك تجهل أن غلاة الصوفية يتوسعون في هذا..وستضطر لمحاجتهم بقريب من هذا أو أشد.

قال:إيش دخل التصوف، أقلك الفقه يا أخي الكريم ، كلام الفقهاء واضح ومتوفر لمن أراد مراجعته.

قلت:إذا أظنك بحاجة لدراسة تاريخ المولد ونشأته ثم تبحثه فقهيا كما تحب..

وفي النهاية أنت تئق وأنا مئق فمتى نتفق?

قال:فعل ذلك علماء أجلاء قبلنا. متى نتفق؟ لن نتفق وليس مطلوب ان نتفق بل ان نحترم شريعتنا وما قالته حول الخلاف الفقهي.

قلت:نعود إلى سؤالنا الأول كيف يمكن أن يتعامل صاحب الشريعة عليه السلام. مع أصل الموضوع?

سيختصر علينا هذا الكثير جدا.

وأنا مهتم بأن اتفق معه هو عليه الصلاة و السلام ولا يهمني كثيرا خلاف غيره لأنه لا ينتهي.

والحساب يوم القيامة ماذا أجبتم رسولكم؟

قال:لا استطيع اكمال الحوار ولكن سأقول لك كلمات لعلها تفيدك. حين نقول أن مجموعة من علماء الأمة الكبار قالوا كذا او كذا، لا يصح ان ترد بأن تطلب منا الرجوع للقرآن والسنة وذلك لأنهما هما كانا مرجعا العلماء أصلاً في فتواهم!

وقصة أمر النبي عليه الصلاة والسلام للصحابة بأن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة نموذج، راجعها وراجع ما قاله الفقهاء في شرحها فإذا أردت قضية المولد نفسها فقد استدل المجيزين له بحديث سؤال النبي عليه الصلاة والسلام عن صيام يوم الاثنين فقال: ذاك يوم ولد فيه

 ومنهم من أستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم سن شكر الله على يوم نجاة سيدنا موسى عليه السلام، كالحافظ ابن حجر وغيره، فراجع ذلك.

والعلماء أيضاً مرادهم موافقة النبي عليه الصلاة والسلام! هذا النقاش هو سير في دوائر مفرغة لأنك ترفض الالتزام بمنهاج اهل السنة.

وقد قلت لك بأنك لو تسأل عن المولد فلتراجع ما قاله أئمة السلف ممن أباح اقامته وراجع ادلتهم كي تعرف ان لهم مستند حتى لو لم يقنعك.

 أما إذا كان سؤالك عن كون الفعل مطابقاً للسنة النبوية فراجع من قال بأن البدع حسنة وسيئة استناداً لأحاديث "من سنة حسنة ... إلخ"

وراجع مثلا قول الامام السيوطي عن المولد "من البدع الحسنة التي يُثاب عليها صاحبها لما فيها من تعظيم قدر النبي"

وقول ابن حجر أن اصل عمل المولد بدعة "ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة"

وقول الإمام ابن عابدين: "إعلم أن من البدع المحمودة عمل المولد الشريف من الشهر الذي ولد فيه"

والإمام عبد الرحمن الدمشقي، شيخ الإمام النووي قال: "ومِن أحسن ماابتُدعَ في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده"

أما لو أردت السؤال عن كيف نتعامل مع الخلاف الفقهي فراجع أخي ما قاله الفقهاء  فهذا سيجنبك الكثير من الخلط الذي انت فيه وفقك الله.

...

قلت:عندي من الاطلاع على الفقه مالا أظنك تستطيع أن تحصله فدع عنك تخليطي وأجب عن سؤالي الأول ماذا كان شأن صاحب الشريعة تجاه المسألة؟

أخي كل حجة تحتج به يوجد أخرى ضدها

وكل عالم تحتج به هنالك غيره يعترض عليه

وأصل الفقه أن ترده إلى مصدره الأول لفض النزاع .

وتذكر أن كل حجة لتشريع المولد سيتولد عنها حجة للمغالاة فيه.

والواجب هنا الرجوع إلى الأصل لتفرع عنه ومالا أصل له فدعه عنك .

والنقاش هنا سيتوقف حسب طلبك لكن تذكر أن احتجاجك بالخلاف يحتم عليك قبول المخالف وعدم انتقاصه بسبب مخالفته لك ولك تحياتي ..

قال "متواضعا ":جزاك الله خير وبارك الله في جهودك واعتذر لو شعرت اني انتقصك، بل أنا أقل منك وأسأل الله ان يصلحني. دعواتك اخي خالد وإلى اللقاء.

قلت:بارك الله في عمرك وعملك

يبقى ما يجمعنا أكبر من خلافنا

وتقبل تحياتي

على شحط الفكر و نوى الخلاف

قال:صدقت، ما يجمعنا أكبر وأعظم. جزاكم الله خير واكرر اعتذاري.

قلت:لا موجب للعذر (الصحيح الاعتذار)

قلتم وقلنا

فما غضبتم ولا أسأنا.

                                                       كتبه خالد بن محمد الشهري

                                                             1435/3/16هـ