الدكتور عبدالله الغذامي من الرموز الثقافية المعاصرة التي حجزت لها مقعدًا وثيرا وأثيرا في المشهد الثقافي السعودي والعربي.
وهو من جيل العروبيين الذين ابتعثوا للدراسة خارج الوطن في الغرب بعد نشأته في مجتمع محافظ ومتدين وهو من طلاب المعاهد العلمية ذات الصبغة الشرعية ؛ وهذه المكونات لابد أن تكون على بال كل قارئ للغذامي الذي تخصص فيما بعد في النقد الثقافي وصار في فترة الثمانينات الميلادية أحد أهم عرابي الحداثة التي تصادمت مع المجتمع السعودي الذي تشبّع في تلك الفترة بالصحوة الدينية التي لم تترك مكانا لم تدخله أو تطرق بابه تمهيدًا لدخوله.
كل ذلك تكرار لما هو معروف لدى معاصري تلك الفترة ولا جديد فيه ؛ لكن الجديد هنا دخول الغذامي لمرحلة التأريخ لتلك المرحلة ليثبت أن الصحوة قد انتهت وأننا في زمن ما بعد الصحوة على غرار ما فعله مع الحداثة ثم الليبرالية الموشومة لينتقل بعدهما إلى الصحوة ويصلي عليها صلاة الميت مع الدعاء لها بالرحمة والمغفرة.
والغذامي دائمًا ما ينادي بالدراسة الابستمولوجيه ويعتني بأن تكون الشواهد واضحة ومحايدة لكنه عندما وصل إلى نقد الصحوة نسي مذهبه الابستمولوجي واستخدم الاستبطان الذاتي الذي يبتعد بالنتائج عن الحياد بعيدًا ؛ والرجل معروف بعنايته بالنسق الثقافي الذي حين نسمعه نتذكر الغذامي.
وحتى يُثبت حياديته في تأريخه للصحوة حصرها فيما ذكره في برنامج حراك بظهور نمط جديد من الطلاب ملتحين ومقصري ثيابهم ولا يلبسون العقال وأثنى عليهم بأنهم جادون لكنهم متوجسون وضبط الصحوة التي انتقدها بالحشد إذ جعله مع المظاهر الشخصية هما المؤشر على تلك الفترة الزمنية التي أرخها مابين 1406-1416هـ .
ومن خلال متابعتي لحلقة برنامج حراك سجل ملاحظاتي هنا على الغذامي:
1- أنه حصر الصحوة في طلاب الجامعة التي درسهم في جدة ثم في الرياض ولم يتجاوزهم إلى غيرهم مع معرفته هو وغيره أن هذا الذي وجده بين طلابه كان قد غطى أكثر المجتمع .
2-أنه جعل الصحوة مجرد ردة فعل على سقوط مذاهب العروبية والقومية العربية والماركسية ؛ وكأنها مجرد ملء فراغ ثقافي عجز عن ملئه العروبيين وتغافل عن دور الدعوة للتضامن الإسلامي للحدّ من القومية العربية والناصرية وهذا سبب مهم جدًا لفهم كيف انتشر دعاة الصحوة وفتح لهم مجال لنشر دعوتهم.
3-الغذامي حصر الصحوة التي صلى عليها صلاة الجنازة في الطلاب الذين يدرسون في الجامعة وكأنه لم يرى كم الأطباء والمهندسين والتجار وموظفي القطاعات الحكومية من الذين تنطبق عليهم مواصفات الغذامي، فهل كان يريد التقليل من شأنها.
4-تعامل الغذامي مع المظهر الخارجي لطلاب الجامعة وحصر الصحوة في توجسهم لكنه لم يلتفت لأمور كثيرة مهمة من آثار الصحوة فهذي البنوك قد خضعت لضغط الصحوة عليها وأصبحت أشد البنوك ربوية تسارع لفتح فروع إسلامية –حتى وإن كانت شكلية- لتستقطب هؤلاء المواطنين فهل يصل أثر الطلاب إلى هذا الحدّ.
5-ذكر الغذامي أن الشيخين ابن باز وابن عثيمين وغيرهما مارسا ترشيدًا للصحوة وشبابها لكنه لم ينقل الحقيقة كاملة وهي أن واقع الصحوة أجبر كل من تعامل معها من جيل الكبار على التجاوب معها؛ والدولة خضعت لكثير من ضغوط الصحوة وإن كانت تعاملت معها بحكمة لمنع الصدام وكان للشيخين وطلابهما دور في ذلك إلا أن كل مجريات الأحداث في ذلك الوقت كانت لصالح الصحوة فهي دعوة للعودة إلى الدين الصحيح الذي قامت عليه الدولة السعودية وحجة الصحويين أقوى من حجج مخالفيهم وذلك أنهم كانوا أكثر توافقا مع الأسس التي قامت عليها الدولة من خصومهم وهذا ما جعل الشيخين يتبنون عملية تهدئة الطرفين ويساعدون على فك الاختناق في أحيان كثيرة.
6-التوجس والحدة التي نسبها الغذامي للصحوة وأبناءها عجيبة منه وهو يتحدث عن دراسة علمية وهذا ما يؤكد لي أنه يعتمد منهج الاستبطان الذاتي فهل يمكن لمدرك لتلك الحقبة أن ينسب التوجس والحدة إلى أبناء الصحوة ؟
الواقع أن هذه كانت إحدى أبرز سمات المجتمع في ذلك الوقت ومراجعة سلوك الحركات السابقة للماركسيين والشيوعيين والعروبيين بين بعضهم وبينهم وبين الحكومة أشهر من أن أُعرفه بها؛ وهذه إحدى سمات المجتمعات الصحراوية ومن المشهور أن كل قبيلتين أو قريتين بينهما من التوجس والحدة في التعامل ما نعرفه جميعا ؛ ورضعه أكثر أبناء ذلك الجيل من خلال نشأتهم فنسبتها إلى الصحويين وحدهم خطأ لا يصلح من قامة علمية كالغذامي.
7-عزل الغذامي لأثر الواقع الاجتماعي مثل حركة جهيمان والجهاد الأفغاني على ظهور الصحوة غير صحيح بأي شكل لاسيما وقد جرب الشباب من قبل الفكر الشيوعي والقومية العربية الفاشلة والتي تتنافى مع مبادئ الإسلام وضعف المسلمين فحينما تظهر إشارات ومحفزات مثل تولي الدولة توعية الشباب ورعاية أنشطة الدعوة لسد الطريق على حركات مثل حركة جهيمان ؛ وبروز الجهاد الأفغاني الذي بعث العزة في نفوس الشباب كانت من عوامل انتشار الصحوة ولا يحق بأي حال أن يلغيها الغذامي من حساباته إلا إذا كان يريد خنق مساحة الصحوة ضمن دائرة صغيرة حتى يتمكن من هزيمتها بسهولة.
8-يحاول الغذامي أن يُثبت نهاية الصحوة ليبشر بما بعد الصحوة بحسب تعبيره ويؤكد على ذلك بشواهد منها انفضاض الحشود وقلة المظاهر على الشباب المتدينين وضعف التوجس والحديّة في التعامل مع المخالف وفاته أن هذا لا يعني نهاية الصحوة إذ أن موجة العولمة ومدّها وكثرة معارك شيوخ الصحوة وتجاربهم أجبرتهم على تغيير كثيرا من طرق تفاعلهم مع المجتمع ولا أعلم كيف قال الغذامي بمرحلة ما بعد الصحوة حينما جعل مظاهر الصحوة في اللحى والثياب وهي مما نراه في زيادة.
وقطعه بأن الصحوة انتهت واحتفظت بأهلها فلا يدخل فيهم أحد ولا يخرج منهم أحد تحكم من غير دليل بل الدلائل تدل على زيادتهم وهذه مناشطهم الرسمية والتعاونية في زيادة مع وجود التشديد عليها من قبل الجهات الرقابية؛ولو أنه عرف أن طريقة تناول الصحويين للحياة وتوجههم نحو العمل المؤسسي هي التي صرفت أكثرهم عن المعارك الصوتية لكان في ذلك ترشيدًا لتنظيره لما بعد الصحوة.إذ أن تزايد المختصين والخبراء من أبناء الصحوة أخذ بهم إلى ترشيد سلوكهم لما يفيد دعوتهم لاسيما وأن أكثرهم طلاب آخرة وليسوا طلاب دنيا وهذا بُعد مهم في دراسة تجربتهم.
9-الغذامي كان صريحا ومتصالحا مع نفسه ومنهجه النقدي حين ذكر أنه مازال عروبيًا وأن جرحه من الصحوة مازال يوجعه وهذا من أهم مايسقط نظرته النقدية للصحوة في نظر أبناء الصحوة الذي استبشروا به بعد الليبرالية الموشومة لكن بعض المدققين قالوا بأن الغذامي لم يتغير كثيرًا وهو ما يزال يمرر فكره المضاد للصحويين وأظن أن هذه من تلك.
ختامًا أذكر أن الدفاع عن الصحوة والصحويين لا ينسينا أنهم كغيرهم لهم حسنات وعليهم مؤخذات لكني أزعم أنهم خيرا من غيرهم إذ لو كانت تلك الحشود تحت سلطة غيرهم لرأينا ما يشبه المكارثية ، وسلطة الإنقلابيين في مصر شاهد معاصر على مايمكن أن تفعله قوى أخرى لو تحكمت.
لكن الصحوة مظلومة -كما عبّر أحد الكتاب وقد نسيت اسمه –بقصة ذلك الذي وجد طفلا ساقطا في حفرة على وشك الموت فأخرجه منها بسرعة وقوة تسببت في خلع يده ولما أوصله لأمه اشتكت عليه بأنه خلع يده ولم تشكره لأنه أنقذه من موت محقق!!.
كتبه
خالد بن محمد الشهري
1435/2/4هـ
0 التعليقات :
إرسال تعليق