الصفحه الرئيسيه
»
التعليم
»
رسالة الشكائيين البكائيين إلى وزير التعليم
رسالة الشكائيين البكائيين إلى وزير التعليم
وقفات مع ساعة نشاط الوزير
بعد ردود الفعل الكبيرة التي واجهها قرار وزارة التعليم بزيادة ساعة النشاط مؤخرا نشرت الحياة لمعالي وزير التعليم مقالا بعنوان ساعة للنشاط الحر في مدارسنا: لماذا وكيف؟
ووصف الوزير من يخالفونه الرأي بالبكائيين الشكائيين ، وعلم الله لم أكن أفضل أن تنجر المسألة من مجرد رأي مخالف لمعاليه إلى تصنيف معارضي القرار بأنهم أعداء للتطوير والنجاح ، وأن يتهمهم بما يعلم خلافه ، فتتحول القضية إلى حرب حول الوطنية !! وهذا دحض مزلة إذ سيزيد الخلاف اتساعا ويشحن النفوس ضد وزارتكم الموقرة وهي من أكبر الوزارات الخدمية ومن حق المستفيدين منها والعاملين فيها ابداء رأيهم حيال مايجري فيها وحول مستجداتها..
ومن حق جميع أطياف المجتمع أن ينتقدوا خدماتها وأن يبينوا مدى رضاهم عنها من عدمه ، وكما أننا لا نظن بالمسئولين إلا خيرا فكذلك يجب ألا يظنوا بالمجتمع إلا خيرا ، وليس كل من خالف رأيكم و قراراتكم عدو ولا هو مدعوم من معرفات أجنبية..
ومما يربك الموضوع برمته أن معاليكم يصرح حول ساعة النشاط بكلام يختلف عن تصريحات المسئولين الآخرين في وزارتكم مما يؤكد أنه كان قرارا مرتجلا لم يطبخ على نار هادئة..
وإذا كان معاليكم يصف معارضي القرار بأن خلفهم جهات خارجية لا تريد ببلادنا خيرا ، ثم أنتم تريدون من ساعة النشاط أن يتعلم الطلاب فيها العمل الجماعي والتفكير النقدي والعمل بروح الفريق والتعاون الإيجابي ثم تصفون من يخالفكم بأنهم أعداء للمجتمع فأنتم تقعون في فخ التناقض بين هدفكم وبين طريقة تحقيقه!!
فكيف تريدون تعليم أبنائنا التفكير الناقد والعمل بروح الفريق والتعاون وأنتم تصادرون رأي مخالفيكم؟!
علما بأن أكثر مخالفيكم من الميدان التربوي وممن أفنوا شبابهم فيه ويحملون من الخبرات فيه ما يستحق أن يستفاد منه وكثير منهم ممن عمل في التعليم العام ثم انتقل إلى التعليم العالي فهم تربويون مجربون وأكاديميون متميزون ..
وحين يصفهم معالي الوزير بأنهم بكائون شكائون ومعطلون للتطوير فكل من يعرفهم ويعرف وزارته يستطيع أن يفصل في القضية..
ومما يزيد القضية سوءا أن يتهم مخالفي قراره بأن ورائهم جهات خارجية تدعم تغريداتهم وتروج لها ولا أعلم كيف ستكون النتيجة لو طالب هؤلاء بحقهم القانوني في ما قاله عنهم معالي الوزير؟!
وهل يستعدي المسئول السلطة وهي بيده؟! أم القضية استثارة للجانب العاطفي فقط؟!
ولعمري إن من أكبر إشكاليات المقال استثارة الجانب العاطفي وإغفال الجانب العملي والرسمي المشاهد واستدعاء نماذج من التعليم العالمي لدعم أهمية النشاط ، وفي غمرة هذه الاستثارة العاطفية لم ينتبه إلى ماقد يثيره ذلك من أسئلة ومنها : مادمنا نعرف أهمية الاستفادة من تجارب التعليم العالمية في أهمية النشاط فلماذا نغفل عن اهتمامها بالجوانب الأخرى ومن أهمها التشاركية في العمل التربوي ودعم الحلول الذاتية المناسبة للمجتمع ؟!
والآن يامعالي الوزير لنأت إلى لب الخلاف :
وجميعنا نتفق معك في أهمية الأنشطة للطالب ، بل أرى أن النشاط من أهم واجبات المدرسة وقد كتبت فصلا كاملا في كتابي "المعلم الناجح" تحت عنوان المعلم والنشاط.. و أزيد على ماذكره معاليكم في مقالكم بأن النشاط في كثير من الأحيان أهم من بعض المواد التي يدرسها الطلاب ، لكن واقع الحال يقتضي أن تخفض المواد وتضمن النشاط ضمن مفردات المادة لا أن تزيد ساعة للنشاط وذلك من وجهة نظري للأسباب التالية:
1-المدارس لدينا عددها كبير جدا وبينها اختلافات ضخمة وماتستطيعه مدرسة واحدة تعجز عنه عشرات غيرها.
2-حين أقررتم ساعة النشاط لم يكن لديكم غير مبررات نظرية عن فائدة النشاط والواقع العملي هو أنكم سترمون الكرة في ملعب المدرسة وعلى كل مدرسة أن تدبر نفسها كما صرحت أنت بذلك في مقالك ، فلماذا إذا تمنعون المدرسة عن تدبير نفسها في الأمور الأخرى؟.
3-جعلتم من مبررات القرار في مقالكم (ففي نظامنا التعليمي تمثل الحصص التي تشملها النشاطات البدنية والفنية والتدبير المنزلي وغيرها من النشاطات أقل من 17 في المئة من البرنامج الزمني للمدرسة،).. وهذا صحيح لكن إضافة ساعة نشاط غير مكتملة التجهيزات وغير واضحة الملامح وتعميمها على الجميع ورمي الكرة في ملعب المدرسة هو المشكلة ويزيدها تعقيدا وكان بإمكان الوزارة أن تزيد من حضور النشاط في اليوم الدراسي بوسائل أخرى أكثر مهنية وإبداعية من خلال تخفيف بعض الزوائد في اليوم الدراسي وليس بزيادته!!..
4-جاء في مقالكم (إن الإبداع في تطوير مشاريع النشاط الحر لا حدود له، ولا نريد أن نقيده بتحديد النشاطات المطلوبة فنحد من إبداعات زملائنا في الميدان ونضيق الفرص التي يمكن أن يبتكرها معلمونا وطلابنا في النشاطات الهادفة المسلية الممتعة.) ومعنى كلامكم هذا أن من لا يمكنه ذلك فليس ملزما به وحيث أن فاقد الشيء لا يعطيه لذا فإن أي مدرسة تعاني من نقص عدد المعلمين ولا تتوفر لها غرف للنشاط ولم تحصل على أي تدريب لن تنفذه إذ كيف ستنشر إبداعاتها؟ وعلى هذا فهي معفاة منها لعدم قدرتها عليه؟!
5-ذكرتم في مقالكم أن مدارسنا تحتضن آلاف الطاقات المبدعة وهذا لاشك فيه ولولا المعلمين المتميزين لما نجحت كثير من الأجهزة الحكومية في تنفيذ خططها بدءا من وزارة التخطيط في التعداد السكاني إلى البلديات في الانتخابات البلدية إلى رعاية الشباب مع اللاعبين والمدربين وكثير من مشغلي الأندية الرياضية ولا المعارض الفنية التي يقيمها في الغالب معلمي التربية الفنية ولا المسارح ولا الأندية الأدبية ولا الصحافة والإعلام وهنالك آلاف من المعلمين المتعاونين معها ولا مراكز الإرشاد والإصلاح الأسري ولا المكاتب التعاونية ولا أئمة وخطباء المساجد وغالبهم من المعلمين..فكل تلك وغيرها كثير من الجهات والمؤسسات قائمة على أكتاف عدد كبير من المعلمين المتعاونين..لكن مع وجود هؤلاء المبدعين الذين يملأون ميادين المجتمع فإنهم يحتاجون لمن يقدر إبداعاتهم ويفسح لهم المجال للتخطيط لها ولتنفيذها ولا يتعامل معهم وكأنهم آلات مبرمجة ينزل لهم التعميم ويطلب منهم تجاوز العقبات وأول تلك العقبات التعاميم الأخرى التي تصدر من نفس الوزارة مع ضعف الإمكانيات ومصادرة حق التعبير في الرأي..
6-كان من الممكن أن تنفذوا رؤيتكم حول النشاط دون زيادة وقت الدوام وتدعموا المدارس من خلال المسابقات والمشاركات والجوائز التي تدفعها للتنافس في ذلك .وتعطوا كل مدرسة وجهة تعليمية ما يناسبها من أنشطة تتوافق مع قدراتها وحجمها..
7-كنا ننتظر من معاليكم أن توجهوا اهتمامكم أكثر بحل مشكلات المدارس المزمنة التي تعاني منها بشكل يومي مثل سوء ماتقدمه المقاصف المدرسية مع ارتفاع أسعاره، وعدم توفر مياه صالحة للشرب ، وضرورة إصلاح دورات المياه التي تنقل الأمراض بين الطلاب لسوئها..لا أن تزيدوا الدوام ساعة لأنه سيزيد تلك الإشكاليات تعقيدا وإرهاقا للطلاب ولمعلميهم ولقيادات مدارسهم.
8-زيادة الدوام ساعة بحجة النشاط سيربك المجتمع كله فغالبية الطلاب أبناء لموظفين وآبائهم هم من يوصلونهم إلى المدارس وتأخير الخروج سيربك المواعيد ويجعلها في وقت الذروة إضافة إلى إرباك عمل عدد كبير من الأجهزة الحكومية التي سيخرج عدد كبير من الموظفين لتوصيل أبنائهم وغالبا فلن يعودوا لمكاتبهم وفي هذا خسارة كبيرة..وكان من الأهم أن تلتفتوا لإصلاح مشكلة النقل المدرسي لا أن تفتحوا على المجتمع ثغرة جديدة تتسبب في ازدحام الطرقات واختناقها..
9-هنالك مدارس مشتركة في المبنى لمراحل مختلفة و هم يجعلون لكل مرحلة فسحة مختلفة حتى لا يختلط طلاب الابتدائية بالمتوسطة في نفس الفسحة وهي مدارس كثيرة فكيف ستحلون مشكلتهم؟
10-وهنالك مدارس متعددة في نفس المبنى واحدة صباحية والثانية مسائية لعدم توافر مباني مناسبة في أحيائهم ومعلوم أن وقتهم مختصر فكيف سينفذون ساعة النشاط هذه و إذا كان دوامهم الآن ينتهي في المسائية الساعة 8 مساءا؟! فمتى سينتهي دوامهم بعد ساعتي النشاط المضافة؟!
11-هنالك مدارس كبيرة يتجاوز عدد الطلاب فيها ألف طالب ومجرد الدخول والخروج يعد من نوع إدارة الحشود في الفسح وأوقات الصلاة مع ضيق المبنى المدرسي فكيف سينفذون تلك الساعة وكيف ستكون حالتهم خاصة مع نقص الكوادر؟
12-عدد المعلمات قرابة ربع مليون ولهن بيوت وأسر وأطفال وكثيرات منهن يداومن في أماكن بعيدة عن سكنهن وبعضهن يسافرن كل يوم فهل من الحكمة أو العدل أن نزيد مأساة ربع مليون أسرة من خلال زيادة ساعات الدوام؟! وكم ستتسبب ساعة النشاط المضافة في حدوث التفكك الأسري لأسر تلك المعلمات في حال إقرارها؟
13-معاليكم حريصون على الجدية في الالتزام بالدوام ولا ترضون بالتسيب والغياب الذي تعاني منه المدارس من قبل الطلاب وهذا الأمر تشكرون عليه لكنكم في قراركم الجديد ترسلون رسالة مبطنة بعدم أهمية دوام يوم الخميس لعدم تضمنه النشاط !! وهذا نوع من الإيحاء للطلاب والمجتمع بذلك فهدمتم أمرا من حيث أردتم بناء آخر!!
14-ذكر معاليكم في المقال مقارنة بين تعليمنا وأنظمة التعليم المتقدم لحث المجتمع على تقبل قراركم ونحن نذكركم بأن تقدمهم ليس بسبب ماذكرتم وحده ولكن هنالك أمور أخرى أكبر ساهمت في تقدمهم ومن أهمها نبذهم للمركزية منذ مدة طويلة علما بأن بعض هذه الدول المتقدمة في التعليم قللت من ساعات اليوم الدراسي لأنها عرفت أن طول اليوم الدراسي لا يزيد مستوى الطلاب.. و دراسات الدماغ الحديثة تثبت ذلك.
15-مكمن الخلل من وجهة نظري هو اعتماد معاليكم على دراسات نظرية وتقارير ورقية حالمة وخير وسيلة لمعرفة جدواها أن تعاينوا الميدان بأنفسكم في وضعه الحقيقي وقد وصفت ذلك في موضوع منشور بعنوان أيها المسئول التربوي من فضلك جرب كرسي مدير المدرسة ، وهو ضمن كتابي تجديد الإشراف التربوي في فصل آلية ترشيح المشرف التربوي..
16-كثيرا ما تتمدح وزارة التعليم بتوافقها مع رؤية 2030 فهل هذا القرار سيدعم نجاح أهداف الرؤية أم أنه سيزيد الأمر صعوبة؟!
17-مفتاح نجاح أي قرار أو للوزارة هو المعلم والرهان على المعلم يعني دعمه وتحفيزه وتقديم شيء لزيادة انتماءه لمهنته وهو مالم تلفت له وزارتكم ولهذا فإن غالب الخطط سينتج عنها أداء بارد وباهت وسيتم تغطيتها ورقيا لإرضاء المسئولين بينما يبقى الوضع الحقيقي في الميدان كما كان..
وأخيرا يامعالي وزير التعليم الموقر نفع الله بكم نذكركم بما تعلمونه جيدا من أن الرجوع إلى الحق فضيلة وهي من صفات العظماء فلعلكم تراجعون قراركم وأنتم أهل لكل خير إن شاء الله..
كتبه
خالد بن محمد الشهري
مستشار نفسي وتربوي
وأخصائي تقويم التعليم
abubaker_m@
0 التعليقات :
إرسال تعليق